بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله تبارك وتعالى على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
مقدمــة:
الحمد لله الذي منّ على المؤمنين بإرساله سيد المرسلين صلى الله تبارك وتعالى عليه وآله وصحبه وسلم أجمعين.
{ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }.
وجعل الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم: فرضاً مفروضاً، وقربةً يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }.
والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمةً للعالمين، بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.. وبعــــــــــــــد:
الصلاة على النبي حق لازم:
فإنَّ الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تبارك وتعالى عليه وآله وصحبه وسلم، ليست نفلاً منا، ولا تكرماً عليه صلى الله عليه وآله وسلم.
وإنما هي فرض فرضه الله تبارك وتعالى على كل مسلم، أداء لحقه صلى الله تبارك وتعالى عليه وآله وصحبه وسلم.
هذا، وقد قال العلماء: إن لرسول الله صلى الله تبارك وتعالى عليه وآله وصحبه وسلم حقاً في رقبة كل مسلم، ذلك لأنه أنقذه من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان، وبالتالي أنقذه من ظلمات النار ودخانها، إلى نور الجنة وريحانها.
ومن المعروف أن من أسدى إليك معروفاً، وجب عليك شكره، علماً بأن الأمر في أصله مردود إليك: ذلك أن رسول الله صلى الله تبارك وتعالى عليه وآله وصحبه وسلم لا تـزيده صلاة المصلى عليه قدراً، ولا ينقصه غفلة الغافل عنه صلى الله تبارك وتعالى عليه وآله وصحبه وسلم، لأن الله تبارك وتعالى أعطاه من الإكرام ما يجل عن الوصف:
قال الإمام البوصيري، رحمه الله تبارك وتعالى:
فإن فضل رسول الله ليس له
حدٌ، فيعرب عنه ناطـــق بفم
وقال أيضاً، رضي الله تبارك وتعالى عنه:
فمبلغ العلم فيه: أنه بشر
وأنه خير خلق الله كلهم
أي: إن الناس لا يعرفون عنه صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنه بهذه الصفة وحسب.. هذا مبلغ علمهم، ومنتهى معرفتهم عنه صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي قوله تبارك وتعالى: ( لقد مَنَّ الله على المؤمنين) ما يفيد عظمة الرسول صلى تبارك وتعالى عليه وآله وصحبه وسلم، إذ أن العطية بقدر المعطي، والهدية بقدر المهدي، والمنة بقدر المان.
والمعطي والمهدي والمان هنا هو الله تبارك وتعالى، فكيف تكون عطية مولى الموالي سبحانه وتعالى لأمة أحب الخلق إليه صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين وسلم.
وقد قال بعض العارفين: الأنبياء لأممهم عطية، ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم لنا هدية، والعطية للمحتاجين، والهدية للمحبوبين .
ولعله أخذها من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إنما أنا رحمة مهداة ). رواه ابن سعد والحكيم عن أبي صالح مرسلاً .
أجعل لك صلاتي كلها:
وقد قال أبي بن كعب أحد أجلاء الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟
قال: صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما شئت) .
قلت: الربع؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما شئت، وإن زدت فهو خير).
قلت: النصف؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما شئت، وإن زدت فهو خير).
قالت: الثلثين؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما شئت، وإن زدت فهو خير لك ).
قال: أجعل لك صلاتي كلها ؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( إذن تكفى همك، ويغفر ذنبك ). رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وعبد بن حميد في مسنده، والإمام أحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك. [انظر: جلاء الأفهام لابن قيم الجوزية ص40، طبع المنيرية].
وقول الله سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ...} أمر من الله تبارك وتعالى. والقاعدة النحوية أن ما جاء على هيئة الأمر، فإن كان من الأدنى للأعلى، فهو الطلب. وأما إن كان من الأعلى للأدنى، فهو الأمر.
فقوله: { صَلُّوا } أمر من الله تبارك وتعالى لا محالة، ولا موضع للجدال فيه.
وقوله تبارك وتعالى: { وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } حث على المداومة والاستمرار على طول المدى.
أهل الصلوات:
فلذلك لجأ كثير من الناس لاغتنام هذه الفرصة، ولإزالة هموم الدنيا والآخرة، بألفاظ ينطقها اللسان، وذلك منتهى الكرم من الله تبارك وتعالى على عباده.
ومن المعروف أن: (من أحب شيئاً أكثر من ذكره) [لفظ حديث شريف رواه الديلمي في مسند الفردوس].
فكثرة الصلاة على رسول الله صلى الله تبارك وتعالى عليه وآله وصحبه وسلم، تدل على صدق المحبة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ( أكثروا الصلاة عليَّ فإن صلاتكم عليَّ مغفرة لذنوبكم، واطلبوا لي الدرجة والوسيلة، فإن وسيلتي عند ربي شفاعتي لكم ). رواه ابن عساكر.
وقد روي في بعض الأحاديث: كيف تعرفنا يا رسول الله ؟
قال صلى الله عليه واله وصحبه وسلم: ( أعرفكم بكثرة الصلاة عليَّ ).
وقد قال عليه وآله وصحبه الصلاة والسلام: ( إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة ). رواه البخاري في التاريخ، وابن حبان، والترمذي.
مسألة الأعداد:
من هنا رغب أهل المعرفة بالله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في جمع أكبر قدر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ونشأت فكرة جمعها في كتب خاصة.
وقد نبتت نابتةٌ في هذه الأيام، لامت - عن جهل - هؤلاء الناس في مواضع، منها: العدد، والكيفية!.
ولكنهم نسوا أنها مأخوذة من ألفاظ الحديث الشريف، وأن الذين وضعوا صيغ الصلوات - في الأصل - هم من أهل العلم والدراية، لا من أهل الهجاية!.
ورد في الحديث الشريف: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى).
هذا الحديث الشريف عُمدة في الدين كله، حتى إن المالكية رضي الله عنهم اعتبروا كل عمل بغير نية باطلاً.
وعلى هذا، فإذا قال الذاكر لله، المصلي على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ( اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد من يصلي عليه )، فإنه يقصد إلى العدد فعلاً، فيعطيه الله على حسب ما نوى في نفسه، تفضلاً وتكرماً، ومنّة من الله تبارك وتعالى على ذلك العبد المصلي على حبيبه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
ومن المعلوم أن ملائكة الله مشتغلون جميعاً بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تبارك وتعالى عليه وآله وصحبه وسلم، بالأمر التكليفي الكامن في قوله تبارك وتعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ...} إلى آخر الآية.
ولئن قال قائل: لئن كانوا مشتغلين بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فأين ذكر الله، وأين التكاليف الأخرى؟.
فنقول له: إن الذي أعطى المَلَك القُدرة على الهُبوط من السماء إلى الأرض في لمح البصر، قادرٌ على أن يجمع له ما شاء من الأذكار والصلوات على حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وآله وسلم، وما كُلِّفَ به.
وطلب الله تبارك وتعالى من المؤمنين الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، إكمالاً لدائرة السماوات؛ فتكون دائرة السماوات والأرض كلها مشغولة بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.. وفي هذا من التشريف للمؤمنين ما فيه، إذ وصلهم بالملأ الأعلى.
وفي مثل قولك: ( اللهم صلِّ على سيدنا محمد كما أمرتنا أن نصلي عليه ) من المعاني الرفيعة: يا ربِّ إنني لا أعرف قيمة الصلاة على حبيبك، صلى الله عليه وآله وسلم... فصلِّ أنت عليه كما تعرف، فإنك تعرف ولا أعرف.
النبي يسمع الصلاة عليه:
ولتعلم أيها الأخ المسلم: أن صلاتك على النبي صلى الله تبارك وتعالى عليه وآله وصحبه وسلم يوم الجمعة، يسمعها هو بنفسه صلى الله عليه وآله وسلم، ويردّ عليك أينما كنت في أطراف الدنيا.. وفي هذا من التشريف ما فيه لك.
روى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله تبارك وتعالى عليه وسلم: (أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، ليس من عبدٍ يُصلِّي عليَّ فيه إلا بلغني صوته حيث كان...) إلى آخره. قال المنذري: ورواه ابن ماجه بإسناد جيد. [انظر: جلاء الأفهام ص74، ط المنيرية].
ذكر العدد:
وقد ورد ذكر العدد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه:
ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل على أُمِّ المؤمنين جُوَيْرِية، فقال صلى الله عليه وآله وسلم لها: (ألا أعلمك كلمات تقولينها:
سبحان الله عدد خلقه. سبحان الله عدد خلقه. سبحان الله عدد خلقه.
سبحان الله رضا نفسه. سبحان الله رضا نفسه. سبحان الله رضا نفسه.
سبحان الله زنة عرشه. سبحان الله زنة عرشه. سبحان الله زنة عرشه.
سبحان الله مداد كلماته. سبحان الله مداد كلماته. سبحان الله مداد كلماته).
رواه الترمذي، والنسائي، وابن حبان.
وورد عند مسلم والترمذي بلفظ آخر، والمعنى واحد، وهو حديث ثابت صحيح.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً لأبي أمامة: (ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار.. تقول:
الحمد لله عدد ما خلق، والحمد لله ملء ما خلق، والحمد لله عدد ما خلق في السماوات، وما في الأرض.
والحمد لله عدد ما أحصى كتابه. والحمد لله عدد كل شيء. والحمد لله ملء كل شيء.
وتسبح الله مثلهن.. تعلمهن، وعلمهن من بعدك).
رواه الطبراني عن أبي أمامة.
وبالجملة، فإن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطلوبة دائماً أبداً من كل مسلم: حفظاً لنفسه، وإكراماً لها، وأداء لذلك الدَّيْن الذي لا يُؤدّى، وإن صلى عليه المصلي ألف عام، ليلَها ونهارَها بدون انقطاع.. ولو صلى كَرَّ الدهور والأعوام، حتى ينقطع أثر الدنيا!..
الدعاء والصلاة:
ومن المعروف أن أي دعاء لا يُستجاب حتى يُصَلّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (الدعاء محجوب عن الله حتى يُصلى على محمد وأهل بيته). رواه أبو الشيخ عن الإمام علي كرم الله وجهه.
وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم لما سُئل: كيف نصلي عليك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آله محمد).
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: إن مَنْ لم يصل على أهل البيت فصلاته باطلة.
أي: لأنه أمر، والأمر واجب النفاذ... والله تعالى أعلم.
وآداب الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: أولها وأولاها ما عرّفنا إياه النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بقوله: (لا تجعلوني في الدعاء كقدح الراكب: إن الراكب يملأ قدحه، فإذا فرغ وعلق معاليقه، فإن كان فيه ماءٌ شرب حاجته، أو الوضوء توضأ، وإلا أهراق القدح، فاجعلوني في أول الدعاء، وفي أوسطه، ولا تجعلوني في آخره). وفي لفظ: (فاجعلوني في وسط الدعاء، وفي أوله، وفي آخره).
رواه عبد بن حميد، والبزار في مسنديهما، وعبد الرزاق في جامعه، وابن أبي عاصم في الصلاة، والتيمي في الترغيب، والطبراني والبيهقي في الشعب، والضياء المقدسي، وأبو نعيم في الحلية.
وهناك أحاديث أخرى كثيرة وصحيحة ثابتة، تركناها مخافة الإطالة.
دعاء أبي بكر الصديق، رضي الله عنه وأرضاه:
وكذلك من الأدعية التي وردت في كتب الصلاة على سيد السادات: دعاء أبي بكر الصديق، رضي الله عنه وأرضاه، ونصه كما رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب:
(اللهم: إني أسألك بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيك، وإبراهيم خليلك، وموسى نجيبك، وعيسى كلمتك وروحك، وبتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وزبور داود، وفرقان محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعليهم أجمعين.. وبكل وحيٍ أوحيته، أو قضاء قضيته، أو سائل أعطيته، أو غنِيٍّ أفقرته، أو فقير أغنيته، أو ضالٍّ هديته.
وأسألك باسمك الذي أنـزلته، على موسى صلى الله عليه وسلم.
وأسألك باسمك الذي بثثت به أرزاق العباد.
وأسألك باسمك الذي وضعته على الأرض فاستقرت.
وأسألك باسمك الذي وضعته على السماوات فاستقلت.
وأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فرست.
وأسألك باسمك الذي استقل به عرشك.
وأسألك باسمك الطُّهْرِ الطَّاهِرِ، الأحد الصمد الوتر المنـزل في كتابك من لدنك من النور المُبين.
وأسألك باسمك الذي وضعته على النهار فاستنار، وعلى الليل فأظلم، وبعظمتك وكبريائك، وبنور وجهك الكريم: أن ترزقني القرآن والعمل به، وتخلطه بلحمي ودمي وسمعني وبصري، وتستعمل به جسدي بحولك وقوتك؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا بك، يا أرحم الراحمين).
صلاة الإمام عليٍّ كرم الله وجهه ورضي الله عنه:
ويجب أن تعلم - يا أخي المسلم - أن الأدعية التي وردت في كتب الصلاة على النبي صلى الله تبارك وتعالى عليه وآله وصحبه وسلم مأخوذة من السنة، جردوها من الإسناد، وجعلوها ورداً يتلى وينتفع به الناس.
ومن الصلوات التي اعترضوا عليها: صلاة (الفاتح لما أغلق)، وهي موجودة فعلاً في أغلب كتب الصلوات على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصيغتها المعروفة: (اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، والهادي إلى صراطك المستقيم، صلى الله عليه وآله وصحبه حق قدره ومقداره العظيم).
اتُّهِمَ بها السادة التِّجانية - رضي الله عنهم - وشنوا عليهم حرباً ضروساً بسببها.
والواقع أن لها أصلاً كبيراً في السنة، وأنها ليست من اختراع السادة التجانية، ولا غيرهم . وإنما هي صلاة الإمام علي كرم الله وجهه، التي كان يصلي بها على رسول الله صلى الله تبارك وتعالى عليه وسلم، وعلمها الناس.
كل ما فعلوه أنهم اختصروا منها هذا الجزء، تسهيلاً على المصلي، وليحفظها الذي لا يقرأ.
وأما نص الصلاة، فكما رواها ابن كثير في تفسيره جـ3 ص509 عند قوله تبارك وتعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ... }. ورواها أبو القاسم الطبراني، وابن قتيبة في مشكل الحديث. وجمع أبوالحسين أحمد بن فارس (اللغوي المشهور) جزءاً خاصاً بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأورد فيه هذا الحديث.
ونصها هو نفس النص الموجود والمتداول في كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي:
(اللهم داحي المدحوات، وبارئ المسموكات، وجبار القلوب على فطرتها: شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك على محمد عبدك ورسولك، الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والمعلن الحق بالحق، والدامغ لجيشات الأباطيل؛ كما حمل فاضطلع بأمرك بطاعتك. مستوفزاً في مرضاتك، غير نكل في قدم، ولا وهن في عزم، واعياً لوحيك، حافظاً لعهدك، ماضياً على نفاذ أمرك، حتى أورى قبساِ لقابس.. آلاء الله تصل بأهله أسبابه، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم؛ وأبهج موضحات الأعلام، ونائرات الأحكام، ومنيرات الإسلام؛ فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك نعمةً، ورسولك بالحق رحمةً.
اللهم افسح له في عدنك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك، مهنئات له غير مكدرات من فوز ثوابك المحلول، وجزيل عطائك المعلول.
اللهم أعل على بناء الناس بناءه، وأكرم مثواه لديك ونـزله، وأتمم له نوره، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة، مَرْضِىَّ المقالة، ذا منطق عدل، وخطة فصل، وحجة وبرهان عظيم) ا هـ.
هذا الذي قرأت يا أخي المسلم: نور: وأي نور!، وحكمة: وأي حكمة!، وكيف لا يكون كذلك وهو من قلب من جعل الله في صلبه ذرية أحب الخلق إليه!
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب). رواه الطبراني عن جابر بن عبد الله، والخطيب عن عبد الله بن عباس.
هذا الدعاء صلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر لفضائل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومراحمه وملاحمه.. وفيه من جمال الأسلوب ورونقه وحسنه ما يجل عن الوصف!..
وكيف لا يكون كذلك، وهو من كلام باب مدينة العلم رضي الله عنه وأرضاه، وكرم الله وجهه. [لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: (أنا مدينة العلم، وعلي بابها.. فمن أراد العلم فليأت الباب). رواه أبو الشيخ، وابن حبان في السنة، والعقيلي، وابن عدي، والطبراني، والحاكم في المناقب..
وقال الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة، بعد كلام طويل: (فليس هذا الحديث بكذب). وعلق عليه الشيخ أبو الفضل الغماري - أكرمه الله - بقوله: بل صحيح جداً، لعدة وجوه بيّنها شقيقنا: أبو الفيض في فتح الملك العلي، بصحة حديث باب مدينة العلم علي)].
ولا يهولنك ما تجد فيها من ألفاظ قد لا تفهم معناها المقصود بها، مثل قوله رضي الله عنه: (افسح له في عدنك) - وهو على قدر معرفتي - ليس من باب تحصيل الحاصل، وإنما من باب إضفاء الخير على الداعي نفسه، إذ كل خير في الدنيا والآخرة يضفى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سيصيب أمته منه القدر الوفير، فالإفساح له في جنة عدن إنما هو لأمته صلى الله عليه وآله وسلم، والله تعالى أعلم، والرجوع إلى أهل العلم وشراح هذا الحديث أولى.
وقد شرحه بما لا مزيد عليه الشيخ حسن العدوي في شرحه على دلائل الخيرات.
صلاة أخرى للإمام علي كرم الله وجهه:
وهذه صلوات أخرى متداولة بين الصحابة رضي الله عنهم رويت عن علي كرم الله تبارك وتعالى وجهه أيضاً:
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }.
(لبيك اللهم ربي وسعديك، صلوات الله البر الرحيم، والملائكة المقربين، والنبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وما سبح لك من شيءٍ يا رب العالمين، على سيدنا محمد بن عبد الله، خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الشاهد البشير، الداعي إليك بإذنك، السراج المنير، وعليه السلام).
صلاة سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
(إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه).
قالوا له: علمنا؟.
قال: ( قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك، إمام الخير، وقائد الخير، رسول الرحمة.
اللهم ابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد). رواه ابن ماجه.
صلاة الحسن البصري:
وكان الحسن البصري رحمه الله يقول:
( من أراد أن يشرب بالكأس الأوفى، من حوض المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فليقـل:
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آله وأصحابه وأولاده، وأزواجه، وذريته، وأهل بيته، وأصهاره، وأنصاره، وأشياعه، ومحبيه، وأمته، وعلينا معهم أجمعين، يا أرحم الراحمين ).
دعاء ابن عباس:
وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: (اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى، وارفع درجته العليا، وآته سؤله في الآخرة والأولى، كما آتيت إبراهيم وموسى).
لا حجر على الوارد:
على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحجرنا على الوارد فقط؛ إذ ربما يكون هناك رجل من الناس لا يحفظ شيئاً من الوارد مثلاً، فأطلق لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في باب الدعاء.
وهاهو ذا صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (أما الركوع، فعظموا فيه الرب.. وأما السجود، فادعوا فيه بما شئتم).
فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (بما شئتم): إطلاق للداعي.
وقد طلب الله من موسى صلى الله عليه وسلم أن يسأله في كل شيء، حتى شسع النعل وملح الطعام، فقال له: (يا موسى.. سلني في كل شيء، حتى شسع نعلك، وملح طعامك).
ولذا نقول للإخوة المجادلين:
لا تحجروا واسعاً، إذ ما لم يبلغكم، ربما يكون قد بلغ الآخرين، وبحر السنة لا ساحل له، وموجه كالجبال لا يتخطاه إلا أهل العناية.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل العناية والتوفيق، ويرزقنا حسن الأدب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
يشرفني طرح أرائكم سادتي