منتدى الحوار الاسلامي

الاثنين، 8 مارس 2010

استجلاب ارتقاء الغُرف بحبّ أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم وذوي الشَّرف


كتب سيدي سمط الدرر منتدى الحوار الاسلامي



بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسَّلام على سيدنا مسك الختام



هذا كتاب الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى ( استجلاب ارتقاء الغُرف بحبّ أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم وذوي الشَّرف ) .

أضعه بين أيدكم ..







بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلَّم



الحمد لله الذي فضَّل أهل البيت النبوي بالشرف ، وجعل المُعوَّل على اقتفاء منهلهم السويّ المُجانب للتقتير والسَّرف ، وأكرم بالوقوف على مرتبتهم من اختاره ، وألهم إلى العُكوف على محبَّتهم من صيّرها شعاره ودثاره ، وزان قوماً بالسعي في مصالحهم ، فهان بما أَلفوه لهم من الرعي قدر مُكافحهم ، لتضمُّن ذلك الإجلال لنبينا المُطَلَّبي الهاشمي القرشي ، وتحصّن كلٌّ منهم بالامتثال في صنيعه من الرَشي والمُرتشي ، خصوصاً إن انضم إليه الإحسان باللَّحظ للعلماء ، لا سيما المُحدِّثين الذين صاروا أقل من القليل بيقين . وكان حريصاً فجلب ما ينفعهم بالبنان مع اللفظ والإجلال المُبين ، لاختصاصهم عن سائر الفِرق نُطقاً وكتابةً في الورق ، بكثرة الصلاة على من اختاره الله واصطفاه وانتصابهم مع الأرق ، لتبين ما يندفع به اللُّبس والاشتباه ، حتى كأنهم المعنيون بقول الشارع :

(( أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة )) .



اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الكرام ، وتابعيهم القائمين بنشر سنته باهتمام .



وبعد :



فهذا تصنيف شريفٌ في العِتْرة العَطرة الطيبة ، والذُّرية البهيّة المنتخبة . اشتمل على مقدمة وخاتمة بينهما فصولٌ ، وفوائد مهمّة بالبرهان قائمة من مقبول المنقول ، جَمعتُه امتثالاً لإشارة من ارتقى بما انتقى من محاسن والده ، وذاق بفهمه الذي راق حلاوة ما استجبناه من ثمر العلم وفوائده . زادَه الله حيث حَشى من جميل الثناء سمعه ، ومشى بما رأى فيه نفعه من طريف الخير وتالده ، وأبعده سعادة أوليائه ، ومتع بدوام حياته وبقائه .



وذلك بعد تطلُّبي (( ذخائر العُقبى في مناقب ذوي القربى )) لشيخ الحجاز المُحب الطبري أبي جعفر – الذي طالعتُهُ فيما مضى وغبر ، فما وجدت الآن مَنْ عنه أخْبر - ، ثم بعد الانتهاء من هذا الجمع ، والاقتفاء فيه بما تقرّ به العين ويلذُّ في السمع ، رأيت المصنّف المشار إلأيه ، والمرغوب في الوقوف الآن عليه ، فوجدت غاية غرضه ونهاية منتهضه ، تفصيل فضائل أكثر من أشرت لاسمه في الفاتحة ، والتطويل بما لا يُبينه من الموضوع والمنكر ، فضلاً عن الضعيف مع سعة علمه ، إلى غير ذلك من التساهل والمسامحة .



فعلمت بذلك صحة مقاله حافظ بلده ، حيث وصفه بهذا وعدَّه في منتقده . بل قال شيخنا – وناهيك به من مثله – إنه كثير الوهم في عزوه للحديث ونقله ، هذا مع أنه لم يكن في زمنه مثله في الحرم ، بل قيل : إن مكة لم تُخرج بعد إمامنا الشافعي نظيره ، ولكنها مقالةٌ مخدوشةٌ ، مع أنها لا تشفي من هذا الألم .



على أنّي لو مشيت في هذا المَهْيع ، لَجَاء في عدة مجلدات فيها الكفاية والمَقْنع ، مع بيان السمين من الهزيل ، والثابت المكين من المُزلْزَل العليل . إذ قد جمع الأئمة في كُلّ من عليّ والعباس ، والسّبطين رضي الله عنهم تصانيف منتشرة في الناس ، وكذا أفردت مناقب الزهراء رضي الله عنها وغيرها ممن علا شرفاً وفخراً .



لكن ليس غرضُ السائل إلا إجمال الفضائل التي يندرج فيها من بعدهم ، ويبتهج بها من جعل دَيْدَنَه حُبَّ أهل البيت وودَّهم .



وقد أتيت من ذلك بما لم أقف عليه في ديوان ، وقلدتُ المُحِبَّ في أشياء أضفتها إليه من غير بيان ، وسميته : (( استجلاب ارتقاء الغُرف بحبّ أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم وذوي الشَّرف )) .



المقدمة



فيمن حضرني من أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم المنسوبين إلى جده الأقرب عبد المطَّلب



وهو : شيبةُ الحمد بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معدّ بن عدنان .



* ممن صَحِب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أو رءاه من ذكرٍ أو أنثى .



فأولاد عبد المطلب نفسه هم : حمزة ، والعباس رضي الله عنهما ، وهما اسمان غير منافيان للإسلام ، وصفيّة ، وأميمة ، وأروى ، وعاتكة ، على خُلْفٍ في إسلام الثلاث الأخيرات .



فأما حمزة رضي الله عنه ، فله من الذكور خمسةٌ منهم : يعلى ، وعُمارة ، وعمر ، وعامر . ومن الإناث : أمُّ الفضل ، وفاطمة – وقيل : إنها هي التي قبلها – وأمامة . ولم يُعقِّب إلا من يعلى فقط ، فإنه وُلد له خمسة رجال لِصلبِه ، لكنهم ماتوا ولم يُعقِّبوا ، وانقطع نسل حمزة . قاله الزبير .



وأما العباس رضي الله عنه ، فله من الذكور عشَرة وهم : الفضل ، وعبد الله ، وقُثم ، عبيد الله ، ومَعبد ، وعبد الرحمن . أُمُّ هؤلاء الستة ، لُبابة الكبرى ابنتة الحارث الهلالية ،اُمُّ الفضل أخت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنهما .



وقيل لها : الكبرى ، للاحتراز عن أختها المسماة أيضاً لُبابة ، وهي أمّ خالد بن الوليد ، وكان يقال لهذه : الصغرى .



والحارث ، وكثير ، وعون ، وتمًّام .



وفيه يقول العباس رضي الله عنه :



تمّوا بتمامٍ فصاروا عشرةً يا ربّ فاجعلهم كِراماً بررة

واجعل لهم ذِكْراً وأنم الثَّمرة



وكان أكبرهم الفضل ، ثم عبد الله ، ثم قُثم . وسمى ابن دُريد في بني العباس : مُسهِراً وصبحاً ، وأنكرهما الزبير بن بكار ، فإن صح ، فلعلهما وُلدا بعد تمّام .



قال أبو عمر رحمه الله : لكلّ من ولد العباس رُوايةٌ ، وللأولين سماع .



وعبد الله ثانيهما : هو البحر تًرجمان القرآن ، وهو جدُّ الخلفاء الذي كان أوَّلهم أبا العباس السفاح ، واسمه عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس .



استقر فيها في سنة اثنتين وثلاثين ومئة ، فأقام دون خمس سنين ، واستقر بعده أخوه أبو جعفر المنصور واسمه عبد الله ، وهو الذي بنى بغداد وسماها : (( مدينة السلام )) ، وطالت مُدّته .



قال المدائني رحمه الله فيما رويناه عنه : وَجَّهَ أبو جعفر رجلاً من بني عبس إلى الشام في حاجةٍ له في أول أمره ، فحمد صنيعه فيها ، فقال له : ارفع حوائجك ، فإنه ليس في كلّ وقت تؤمر بهذا .



فقال : يبقيك الله يا أمير المؤمنين ، فوالله ما استقصر أجلك ، ولا أخاف بخلك ، ولا اغتنم بذلك ، وإن عطاءك لزين ، وسؤالك لشرف ، وما بامرئٍ بذل وجهه إليك ، عارٌ ولا منقصة ، وإنك بهذا المقام ، وأنا بهذا الكلام أولى من أمية وابن جدعان ، حيث يقول فيه :



عطاؤك زيْن لامرئٍ إن حبوتهُ عطاءً وما كلُّ العطاء يزينُ

وليس بشين لامرئِ بذل وجهه إليك كما بعضُ السُؤال يشينُ



فأمر له بمئة ألف .



وقال عثمان بن عبد الرحمن رحمه الله فيما رويناه من طريقه في (( المُجالسة )) : عرضت عاتكة ابنة عبد الملك المخزومية أم إدريس وسليمان وعيسى بني عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب لأمير المؤمنين المنصور وقد وافى حاجاً ، فصاحت به وهو في الطواف .



فقالت : يا أمير المؤمنين ، احمل عنّي كلَّك ، أو أعنّي على حمله لك ، معي بنو عبد الله بن حسن صبيةٌ لا مال لهم ، وأنا امرأةٌ لستُ بذات مال . فأنشدُك الله أن يُفارق احتمالك ما يلزمك احتماله فيهم ، وأعنّي عليهم ، ولا تحوجني إلى اطِّراحهم ، فإني خائفةٌ عليهم إن فعلت ذلك ، أن يضيعوا .



فقال : يا ربيع ! من هذه فنسبها له .



فقال : هكذا والله ينبغي أن يكون نساء قومي ، وأمر بردّ ضياع أبيهم عليها لهم ، وأمر لها بألف دينار .



قال راويةعثمان : وكان هؤلاء حين قتل الحسين بن محمد (( بفخّ )) في أيام موسى ، فمضى إدريس إلى المغرب ، فيها ولده إلى اليوم ، انتهى .



وقد كان أخوهم محمد بن عبد الله خرج ومعه أخوه إبراهيم على المنصور ، وراسله يذكر فخره وفخر سلفه ، فردَّ عليه المنصور وذكر فخره وفخر سلفه . وفيهما فوائد ، لكن رأيت الإعراض عنهما هنا أدباً مع الفريقين .



وآل الأمر إلى أن بعث المنصور إليه عيسى بن موسى فقتله ، واستمرت الخلافة يتداولها منهم الخلف عن السلف ، مع ما اتفق في خلال ذلك ، مما لشرحه غير هذا المحل .



وبالجملة : فلم يبق من مُددٍ متطاولة لهم من ذلك ، إلا مُجرّد الاسم ، بل هُم كالمَحجور عليهم ، والله المستعان .



وقيل : إنه ما رُؤيت قبور إخوة أشدّ تباعداً بعضها من بعض ، من قبور بني العباس ، مع كونهم وُلدوا في دار واحدة . فالفضل بأجْنادين ، ومعبدٌ وعبد الرحمن بإفريقية ، وعبد الله بالطائف – وقد زرته هناك – وعُبيد الله باليمن ، وقُثم بسمرقند ، وكثير بينبُع .



ولعل الحكمة في ذلك : انتشار بركتهم في الآفاق ، وفي عَدِّ ( كثير ) في هؤلاء ، إشعارٌ بأنه من لُبابه أيضاً .



وقد قال الشاعر :



ما ولدَت نجيبةٌ من فَحْل كسبعة من بطنِ أم الفضْل



ولكن قال السُّهيلي رحمه الله : الأصحُّ في كثير ، أنَّ أُمَّهُ رُوميه ، والله أعلم .



وكان للعباس من الإناث : أم حيبب – أو حبيبة - ، وآمنة ، وصفية ، وأم الفضل .



وأما صفية ابنة عبد المطلب رضي الله عنها ، فهي أم الزبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب . أحد العشرة ، ووالدُ عبد الله الذي أُمُّه أسماء ابنة أبي بكر الصديق بن أبي قحافة ، وكفى عبد الله فخراً ، أنه هو وأمّه وجدُّها وأبوها – الذي هو أفضل الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وسلم – صحابة .



وقول موسى بن عقبة رحمه الله المرويُّ عندنا من طريق البخاري في غير (( صحيحة )) ، لا نعلم أربعة أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم – يعني في نسقٍ – إلا هؤلاء الأربعة : أبو قحافة ، وابنه أبو بكر الصديق وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر ، وابنه أبو عتيق محمد متعقب بهذا ، إلا أن يكون بقيد الرجال . على أنه سيأتي في أواخر هذه المقدمة ، أنَّ شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد – جدُّ إمامنا الشافعي - ، ذُكِرَ هو أبوه وجدُّهُ وجدُّ أبيه في الصحابة ، على خُلْفٍ في عبد يزيد ، كما أوضحته مع تتمات لذلك في بعض التعاليق .



وكذا من أولاد صفية رضي الله عنها : السائب ، شهد بدراً وغيرها ، ولا عقب له .



وأما أميمة : فهي أم عبد الله ، وأبي أحمد ، وأم المؤمنين زينب ، وأم حبيبة ، وحَمْنة بني جحش بن رئاب بن يَعْمر الأسدي ، ولهم أخٌ سادس اسمه عبيد الله – بالتصغير - ، لكنه مات نصرانياً بأرض الحبشة بعد أن كان أسلم ، وتزوَّج صلى الله عليه وسلم امرأته أم حبيبة ابنة أبي سفيان .



وأما أروى : فهي أم طُليب بن عُمير بن وهب بن أبي كثير بن عبد بن قصي بن كلاب بن مُرَّة . صحابي أيضاً ، ولا عقب له .



وأما عاتكة : فهي أم عبد الله ، وزهير ، وأم المؤمنين أم سلمة بني أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي .



ومن أولاد عبد المطلب ممن لم يُسلم : أبو طالب ، وأبو لهب ، واسم كل منهما مُنافٍ للإسلام، والزبير ، والحارث ، وأم حكيم البيضاء ، وبَرّة .



فأما أبو طالب : واسمه على الصحيح عبد منافٍ كجده ، فله من الأولاد : عليٌّ ، وجعفر ، وعقيل ، وأم هانئ واسمها على المشهور فاخته ، وجُمانة رضي الله عنهم ، وكُلهم أشقاء .



وكذا طالب الذي كني به ومات كافراً . أمُّهم فاطمة ابنة أسد بن هاشم صحابية أيضاً ، وهي ابنة عم زوجها .



فأولاد عليٍّ رضي الله عنه – ولو لا حظنا في ترتيب الأقرباء الأفضلية قدمنا – هم : الحسن ، والحسين ، ومُحسن ، وأم كلثوم ، وزينب . وكلهم من فاطمة رضي الله عنهم ـ وانتشر نسله منها في سائر الآفاق من جهة السبطين الحسن والحسين رضي الله عنهما فقط .



ويقال للمنسوب لأولهما : حَسني ، ولثانيهما : حُسيني .



وربما انتسب إليهما شخص واحدٌ باعتبارهم ، وقد يضم للحسين ممن يكون من ذرية إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الإسحاقي ، فيقال :



الحسيني الإسحاقي ، وربما قيل له الحسيني الجعفري كما سيأتي .



وإسحاق هذا ؛ هو زوج السيدة الشهيرة نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن علي .



واختصا – أعني السبطين رضي الله عنهما – بانتشار النسل منهما ، لمزيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما ، كما اختصت أمهما الزهراء رضي الله عنها عن أخواتها بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، بكون نسله صلى الله عليه وسلم منهما فقط .



لأن عبد الله بن عثمان بن عفان ، من رقية رضي الله عنها مات قبلها بسنة ، وبتنصيصه صلى الله عليه وسلم على كونها بضعة منه ، أنها سيدة نساء أهل الجنة – إلا ما كان من مريم عليها السلام - .



وفي لفظ خاطبها به : (( أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين )) . وفي آخر : (( خير نساء العالمين مريم )) .



وفي آخر : (( خير نساء العالمين . مريم وآسية وخديجة وفاطمة )) . وقالت عائشة رضي الله عنها : (( ما رأيتُ أحداً قط أفضل من فاطمة ، غير أبيها )) .



إلى غير ذلك مع ما رُوي من دُعائه صلى الله عليه وسلم بالبركة في نسلها ، كما سيأتي .



وأنه لما نزل قوله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } أرسل إليها وإلى زوجها وابنيها ، واشتمل عليهم بكسائه .



وقال صلى الله عليه وسلم : (( هؤلاء أهل بيتي )) .



أما بقية أولاد فاطمة رضي الله عنها : فَمُحسن مات صغيراً ، وأم كلثوم عاشت حتى رَغِبَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه – كما سيأتي – في تزويجها ، ولمّا خطبها عمر من علي رضي الله عنهما . قال له عليٌّ رضي الله عنه : إن عليَّ فيها أُمراء ، حتى استأذنهم .



فأتى ولد فاطمة فذكر ذلك لهم ، فقالوا : زوِّجهُ . فدعا أم كلثوم – وهي يومئذ صبية – فقال : انطلقي إلى أمير المؤمنين ، فقولي له : إن أبي يُقرئك السلام ، ويقول لك : إنَّا قد قضينا حاجتك التي طلبت .



فأخذها عمر رضي الله عنه فضمها إليه ، وقال : إني خطبتها إلى أبيها فزّوجنيها . فقيل : يا أمير المؤمنين ، ما كُنت تُريد ، إنها صبية صغيرة ؟!

فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الحديث الآتي.. .

وولدت له زيداً ، ورقية .



فأما زيد ، فقتله خالد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب خطأً ، ولم يترك ولداً .



وكان موته فيما قيل هو وأمه في ساعةٍ واحدة ٍ ، فلم يُدْرَ أيُّهما قُبض قبل صاحبه ، ليرثه الآخر .



وأما رقية ، فتزوج بها إبراهيم بن نعيم النحّام ، فماتت عنده ، ولم تترك أيضاً ولداً ، فليس لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ذرية من أم كلثوم ابنة فاطمة رضي الله عنهم .



ولما مات عمر رضي الله عنه ، دخل عليها أخواها الحسن والحسين رضي الله عنهما فقالا لها : إنك من عَرفتِ سيدة نساء المسلمين وبنت سيدتهم ، وإنك والله لئن أمكنت علياً من نفسك ، لينكحنك بعض أيتامه ، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالاً عظيماً ، لتُصيبِنّه .



فوالله ما قاما حتى طلع عليٌّ رضي الله عنه يتكئ على عصاةٍ ، فجلس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر منزلتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم .



وقال : قد عرفتم مني يا بني فاطمة ، وأثرتكم عندي على سائر ولدي ، لمكانكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابتكم منه .



فقالوا : صدقت ، رحمك الله ، فجزاك الله عنا خيراً .



فقال : أي بُنية ، إن الله قد جعل أمركِ بيدك ، فأُحب أن تجعليه بيدي .



فقالت : أي أبةِ ، والله إني امرأةٌ أرغب فيما ترغبُ فيه النساءُ ، فأنا أُحب أن أصيب ما تصيب النساء من الدنيا ، وأنا أُريد أن أنظر في أمر نفسي ,



فقال : لا والله يا بُنية ، ما هذا من رأيك ، ما هو إلا من رأيُ هذين – يعني أخويها – ثم قام .



فقال : والله لا أكلّمُ رجلاً منهما ، أو تفعلين . فأخذا بثيابه ، فقالا : اجلس يا أبة ، فوالله ما على هجرانك من صبر ، اجعلي أمرك بيده .



فقالت : قد فعلتُ . فقال : قد زوجتك من عون بن جعفر – يعني ابن أخيه – وإنه لغلام ، ثم رجع إلى بيته فبعث إليها بأربعة آلاف درهم ، وبعث إلى ابن أخيه ، فأدخلها عليه .

قال:راويه حسن بن حسن بن علي(فوالله ماسمعت بمثل عشق منها له منذ خلق الله)

زاد غيره : فلم ينشب عون أن هَلَكَ . فرجع إليها علي رضي الله عنه ، فقال : يا بنية ، اجعلي أمرك بيدي . ففعلت ، فزوجها محمد بن جعفر – الابن الآخر لأخيه - ، ثم خرج فبعث إليها بأربعة آلاف درهم ، ثم أدخلها عليه ، فمات عنها . فتزوجها عبد الله بن جعفر – الأخ الثالث للأولين – وماتت معه ، ولم يُصب منها ولداً .



والحاصل : أنه تزوج أمّ كلثوم بعد عمر ، ابن عمها عون بن جعفر بن أبي طالب ، ثم تزوجها بعد موته أخوه محمد بن جعفر ، ثم تزوجها بعد موته أخوه عبد الله بن جعفر . فماتت عنده ، ولم تلد لواحدٍ من الإخوة الثلاثة سوى للثاني ، ولدت له ابنة تُوفيت صغيرة ، فليس لها عَقبٌ .



وكذا عاشت زينب ابنة فاطمة الزهراء رضي الله عنهما ، حتى تزوجها ابنة عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب المذكور قريباً ، وولدت له عدة أولاد . منهم عليٌّ ، وفيه البقيةُ من ولده .



وأم أبيها تزوجها عبد الملك بن مروان ، ثم طلقها . فتزوجها علي بن عبد الله بن عباس ، وهي التي علمها أبوها كلمات الكرب (( لا إله إلا الله الحليم الكريم ... )) الحديث .



وأم كلثوم تزوجها ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب ، وولدت له عدة أولاد .



منهم : فاطمة التي تزوجها حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام ، وله منها عقب من ولده إبراهيم .



وبالجملة : فعقبُ عبد الله بن جعفر انتشر من عليّ وأم كلثوم ابني زينب ابنة فاطمة ، وكذا العقب في أولاد عبد الله بن جعفر من غيرها ، وهم : معاوية ، وإسحاق ، وإسماعيل .



وما عداهم من ولد عبد الله لا عقب له ، جزم بذلك الزبير .



وعرفت الآن ممن ينتسب لإسحاق بن عبد الله بن جعفر : محمد بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي .



وممن ينتسب لإسحاق بن عبد الله بن جعفر : أبا بكر محمد بن علي بن حيدر بن حمزة بن إسماعيل بن عبد الله بن الحسن بن محمد بن جعفر بن القاسم بن إسحاق .



ويقال لكل من انتمى إلى هؤلاء : جعفري ، وربما نُسب كما قدمت بعض ولد جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب جعفرياً .



وهؤلاء لا نزاع في شرفهم أيضاً ، ولذلك وصف الحافظ عبد العزيز بن محمد النَّخْشَبي وغيره ، بعض المنسوبين إلى جعفر بالسيد .



وأما الجعافرة المنسوبون لعبد الله بن جعفر ، فلهم أيضاً شرفٌ لكنه يتفاوت . فمن كان من ولده من زينب سبطة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو بلا شك أشرف من غيرهم ، مع كون شرفهم لا يُوازي شرف المنسوبين إلى السبطين الحسن والحسين رضي الله عنهما ، لأفضليتهما عليها ، وامتيازهما بكثير من الخصوصيات .



كما أن أولاد علي رضي الله عنه من غير الزهراء رضي الله عنها ، وهم كثير . عقبه في محمد ، والعباس ، وعمر منهم خاصة ، مع كون لهم شرفٌ لكونهم من بني هاشم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الله تعالى اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريساً من كنانة ، واصطفى هاشماً من قريش ، واصطفاني من بني هاشم )) .

ولقوله صلى الله عليه وسلم(قال لي جبريل عليه السلام:قلبت مشارق الارض ومغاربهافلم أجد أب خيرا من بني هاشم...)الحديث



ولذلك رأيت شيخنا شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله تعالى ، وصف بعض المنسوبين لجعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب بقوله : شريفٌ من أهل البيت النبوي ، مع كون محمد هذا أمه خولة ابنة جعفر بن سلام بن قيس بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة المعروف بابن الحنفية ، لا يُوازى شرف من ينتمي إلى زينب ، فضلاً عن السبطين ، لفوات انتسابهم إليه صلى الله عليه وسلم . وقد كان علي رضي الله عنه رام أن يحصل له ذلك أيضاً بعد وفاة الزهراء رضي الله عنهما ، حيث تزوج ابنة أختها أمامة ابنة العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ، وهي سبطة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمها زينب أول أولاده صلى الله عليه وسلم ، امتثالاً لوصية الزهراء رضي الله عنها له بذلك .

واستمرت معه حتى قُتل ، فتزوجت بعده بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، امتثالاً لوصية علي رضي الله عنه لها ، بعد أن خطبها معاوية رضي الله عنها ، فامتنعت .



واستمرت عند المغيرة حتى ماتت ، ولم تلد له ولا لعلي رضي الله عنه أيضاً .



بل ليس لزينب رضي الله عنها عَقبٌ أصلاً ، فإن علياً ولدها من أبي العاص أيضاً ، مات وقد ناهز الاحتلام .



وقيل : إنما تزوج أُمامة بعد قتل علي رضي الله عنه ، أبو الهيَّاج بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، لكن الأول أكثر ، ولما ذكرته من شرف بني هاشم ، وُصِفت ذرية العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشرف . لكنهم يُطلقونه تارةً ، ويقيدونه أُخرى .



فوجدت الإطلاق في كلام غير واحدٍ من الأئمة الحُفّاظ ، وفي شيوخ فقيه المذهب النجم ابن الرِّفعة ، شخص يُقال له : الشريف العباسي ، مذكورٌ في الشافعية .



قال شيخنا رحمه الله في (( الألقاب )) : وقد لُقّب به – يعني بالشريف – كل عباسي ببغداد ، وكذلك كلُّ علويٍ بمصر .



وقال غيره : إنه يُقال لنقيب العباسيين ببغداد : نقيب الهاشميين ، ولنقيب العلويين : نقيب الطالبيين ، ومن يكون من بني العباس ، يُنسب قُرشياً ، وهاشمياً ، وعباسياً .



ويزاد لمن يكون من ذرية زينب ابنة سليمان بن علي – أم محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب – الزينبي .



وأما جعفر بن أبي طالب ، فأولاده : عبد الله ، ومحمد ، وعون ، الذين سلف ذكرهم ، وأمهم أٍسماء ابنة عُميس رضي الله عنها . وكذا من أولاد جعفر أحمد ، فيما قاله الواقدي وغيره .



وأما عقيل ، فله من الولد : مُسلم ، ومحمد . تابعيان ، ولثانيهما ابنٌ اسمه عبد الله ، أُمه زينب الصغرى ابنة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وقد انقرض ولد عقيل إلا من ولد محمد .



وممن عرفته من بنيه : القاسم بن محمد ، وأبو الحسن علي بن زيد بن عيسى بن زيد بن عبد الله بن مسلم ، ابني عبد الله بن محمد بن عقيل .



وأما أم هانئ ، فلها : جعدة بن هُبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ، له رُؤية . وله من الإخوة : هانئ ، ويوسف ، وعمرو . ولجعدة ابنٌ اسمه يحيى ، تابعيٌ وهو : أبو هارون .



وأما جُمانة – وهي بضم الجيم وميمٍ خفيفة ونون – فلها : أبو عبد الله جعفر بن أبي سفيان الآتي قريباً .



وإلى هنا انتهى ذكر بني أبي طالب .



وينسب إلى علي وجعفر وعقيل بـ (( الطالبيين )) لانتسابهم إلى أبي طالب ، ومن ذلك تسمية أبي الفرج الأصبهاني (( مقاتل الطالبيين )) ، لاشتماله على ذرية الثلاثة . وكذا صنف الجعابي (( تاريخ الطالبيين )) ، ولُقب نقيب العلويين كما سبق : نقيب الطالبيين ، ولكن الأكثر في المنسوبين لعلي بـ (( العلويين )) ، وفي النادر بـ (( الفاطميين )) ، ولو لم يكن من ذرية الزهراء رضي الله عنها .



ومنهم : أبو القاسم منصور بن أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن أبي طاهر الطيب بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب العلوي الفاطمي ، ولجعفر كما سلف بـ (( الجعفريين )) ، ولعقيل بـ (( العقيليين )) .



وأما أبو لهب بن عبد المطلب – واسمع عبد العُزّى – فله من الولد : مُعْتب ، وعُتبة أسلما يوم فتح مكة ، وأختهما دُرَّة أسلمت أيضاً قبلهما وهاجرت . ومُعتب هو والد مُسلم ، وله عَقبٌ . ومن ذريته عباس بن القاسم بن عباس بن محمد بن مُتعب .



وأما الزبير بن عبد المطلب ، فله من الولد : عبد الله ، وضُباعة ، وكانت زوجاً للمقداد بن الأسود رضي الله عنه ، وأم حكيم – أو أم الحكم – ويقال : إنها هي ضُباعة .



وأما الحارث بن عبد المطلب ، فله من الولد : ربيعة ، وأبو سفيان – واسمه المغيرة – ويقال : بل المغيرة آخر ، ونوفل ، وعبد شمس – الذي حوَله النبي صلى الله عليه وسلم فسماه : عبد الله – وسعيد ، وأروى .



فأما ربيعة أولهم – وكان أسن من عمه العباس - ، فله من الولد : عبد الله ، والمطلب ، وأروى ، زوجة حبَان بن منقذ الأنصاري .



وأما أبو سفيان ثانيهم ، فله من الولد : جعفر ، صحابي . قال أبو اليقظان : إنه لا عقب له ، وعبد الله يكنى : أبا الهيّاج ، ويقال : بل أبو الهياج غير عبد الله ، وعاتكة أم الفضل بن مُعتب بن أبي لهب .



وأما نوفل ثالثهم ، فله من الولد : المغيرة ، والحارث ، وعبيد الله ، وعبد الله ، وسعيد . فالحارث ثانيهم ، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض عمل مكة . والمغيرة أولهم ، وهو على الصحيح صحابي ، تزوج أمامة ابنة أبي العاص بن الربيع بعد قتل علي رضي الله عنه ، ولذا ذكره البغوي وغيره .



ثالثهم : عبيد الله مذكور في الصحابة ، وعبد الله مذكورٌ في الصحابة أيضاً . وليَ قضاء المدينة لمروان في خلافة معاوية رضي الله عنه ، فكان أول من ولي قضاءها .



وأما سعيد خامسهم : فذكره شيخنا تبعاً لابن منده في الصحابة ، ولكن جزم أبو نعيم بخلافه .



قال شيخنا : وكلام الدارقطني يدل على أنه سعيد بن الحارث ، وللحارث أحد هؤلاء الخمسة ولدٌ اسمه عبد الله ، صحابي لا عقب له ، وآخر اسمه ربيعة ذكره البغوي في الصحابة . وثالثٌ اسمه عُبيد الله بالتصغير ، مذكورٌ في الصحابة . ورابعٌ اسمه عبد الله بالتكبير ، وهو الملقب (( بَبّه )) – بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة - ، أمه هند ابنة أبي سفيان ، وكذا يُقال : إن الحارث تزوج دُرّة ابنة أبي لهب ، وله منها : عُقبة ، والوليد ، وغيرهما .



وبَبَّة : هو والد إسحاق أحد التابعين ، وكذا من أولاده أيضاً : عبد الله ، وعُبيد الله . ومن ذُرية نوفل هذا : أبو خالد يزيد بن عبد الملك بن نوفل .



وأما رَابعهم : عبد الله ، فلا عقب له ، ولا رواية .



وأما خامسهم : سعيد ، فذكره شيخنا في الصحابة وضعف سند حديثه ، وقال : لم أر لسعيدٍ هذا ذكرٌ في كتب الأنساب .



قال : وقد ذكره الدارقطني في كتاب (( الإخوة )) ، وأورد له حديثاً آخر موقوفاً ، لكنه قال فيه : سعيد بن نوفل .



وأما أروى : فهي والدة المطلب بن أبي وداعة السهمي ، ولها من أبي وداعة أيضاً أبو سفيان ، وأم جميل ، وأم حكيم ، والربعة .



وأما أم حكيم البيضاء إحدى من لم يُسلمن من بنات عبد المطلب : فهي أم عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي ، والد عبد الله أمير البصرة في زمن عثمان رضي الله عنه .



وأما برة ابنة عبد المطلب : فهي أم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي . أخي النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع ، والذي كان زوجاً لابنة عمه أم المؤمنين أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة قبل النبي صلى الله عليه وسلم .



وقد ألحق النبي صلى الله عليه وسلم ببني هاشم ، بني أخيه المطلب . لما ثبت في (( البخاري )) وغيره عن جبير بن مُطعم رضي الله عنه – وهو من بني نوفل – قال : مشيت أنا وعثمان بن عفان رضي الله عنه – وهو من بني عبد شمس – إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أعطيت بني عبد المطلب وتركتنا ، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة !



فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيءٌ واحدٌ )) – زاد في رواة - : (( وشبَّك بين أصابعه )) .



وفي أخرى : (( إن بني المطلب لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام )) .



قال البيهقي رحمه الله : وإنما قال ذلك – والله أعلم – لأن هاشم بن عبد مناف أبا جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تزوج امرأةً من بني النجار بالمدينة ، فولدت له شيبة الحمد جدُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تُوفي هاشم وهو مع أُمه .



فلما ترعرع ، خرج إليه عمه المطلب بن عبد مناف فأخذه من أُمه ، وقدم به مكة وهو مُردِفُه على راحلته ، فقيل : عبدٌ ملَكه المطلب ، فغلب عليه ذلك الإسم ، فقيل : عبد المطلب .



وحين بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، آذاه قومُه وهمَوا به ، فقامت بنو هاشم وبنو المطلب مُسلمهم وكافرهم دونه ، وأبوا أن يُسلموه .



فما عرفت سائر قريش أن لا سبيل معهم ، اجتمعوا على أن يكتبوا فيما بينهم كتاباً على بني هاشم وبني المطلب ، أن لا يُناكحوهم ولا يبايعوهم . إلى آخر القصة المشروحة في غير هذا المحل من كتب السير والمغازي .



وكان يُقال لهاشم والمطلب : البدران ، فأحببت أن أذكر من وقفت عليه الآن من بني المطلب .



فمنهم : عبيدة ، والحصين ، والطفيل بنو الحارث بن المطلب بن عبد مناف ، ولثانيهم ولدٌ ذكره المَرْزُباني في (( معجم الشعراء )) ، وللثلاثة ابن أخ وهو : سفيان بن قيس بن الحارث .



ومنهم : القاسم ، والصّلتُ ، وقيس بنو مخرمة بن المطلب ، لهم صُحبة .



فأما الصلت : فهو والد جُهيم الصحابي أيضاً ، وأما قيس : فهو والد عبد الله ومحمد التابعيين . بل يُقال : لأولهما صُحبة ، ولثانيهما إدراك . والأول هو والد محمد ومطلب ، والثاني هو والد حكيم بن عبد الله بن قيس بن مخرمة .



ومنهم أبو نبقة ، عبد الله بن علقمة بن المطلب ، صحابي ، وله ابنان : الهُذيم ، وجُنادة صحابيان أيضاً ، استشهدا باليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه .



ومنهم : عبد يزيد بن هاشم بن المطلب ، صحابي ، وله ابنان : الهُذيم ، وجُنادة صحابيان أيضاً ، استشهدا باليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه .



ومنهم : عبد يزيد بن هاشم بن المطلب ، أمه الشَفاء ابنة هاشم بن عبد مناف . وكان يقال له : (( المَحضْ)) لا قذى فيه ، ويقال : أن له صحبة . وله أربعة أولاد : رُكانة ، وعُجير ، وعُمير ، وعُبيد ، أمهم العجلة ابنة عجلان الليثية ، من بني سعد بن ليس بن بكر بن عبد مناةَ بن كنانةَ .



فأما رُكانة : فله يزيد ، وطلحة ، وكذا فيما قيل عليٌّ . وليزيد ابنٌ اسمه عليٌّ ، لكنه تابعي ، وهو والد عبد الله ، ومحمد .



وأما عُجير ، فله نافعٌ صحابيٌ ، وهو والد محمد .



وأما عُبيد ، فله السائب الذي قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه : اذهبوا بنا إلى السائب نعودُهُ ، فإنه من مُصاصةِ قريش .



بل قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنَّه أخي ، وأنا أخوه )) .



وأمه الشفاء ابنة الأرقم بن هاشم بن عبد مناف ، وأمها خالدة ابنة أسد بن هاشم أخت فاطمة بن أسد ، والدة عليّ بن أبي طالب .



وللسائب عبد الله والي مكة ، وشافعٌ جدُّ إمامنا الإمام الأعظم والمجتهد المقدم أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ، وحينئذ فشافعٌ هو وأبوه وجده وجدُّ أبيه صحابةٌ ، على خُلْفٍ في عبد يزيد . ويُضاف ذلك لبيت الصديق رضي الله عنه كما تقدم ، ويُعدُّ ذلك في مفاخر إمامنا رضي الله عنهم .



وعثمان ابنه عاش إلى خلافة أبي العباس السفاح وله ذكر في قصة بني المطلب لما أراد السفاح إخراجهم من الخُمْس وإفراده لبني هاشم ، فقام عثمان في ذلك حتى ردَّهُ على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .



وللسائب حفيدٌ اسمه عبيد الله بن علي ، وكذا لشافع حفيداسمه محمد بن علي ، بل ومن ذريته محمد بن العباس بن عثمان بن شافع ، والد إبراهيم وعبد الله ، في آخرين يطول ذكرهم .



ومنهم : مسطح بن أُثاثة بن عباد بن عبد المطلب ، ابن ابنة خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وكذا خاطب العباس رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في أبي سفيان صخر بن حرب بن أمَّية بن عبد شمس بن عبد مناف ، بقوله : (( إنَّه ابن عمنا )) .



وهو كذلك ، فإن عبد شمس ، هو أخو هاشم والمطلب ، وهو جدُّ كلٍ من عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ، ثالث الخلفاء الراشدين ، وصهر النبي صلى الله عليه وسلم على ابنتيه .



وصهر النبي صلى الله عليه وسلم الآخر : أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ، وأمه هالة ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، أخت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنهم .



ولهؤلاء الثلاثة أخٌ رابعٌ ، لكن لأبيهم فقط ، وهو نوفل جد جبير بن مُطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، وكانت العرب تُسمي الأربعة : أقداح النُّضار .



كما رويناه في الفوائد الملحقة بأخر (( الذرية الطاهرة )) من طريق محمد بن الحسن قال : قال عمر بن أبي ربيعة :



نظرت إليها بالمُحصَب من مِنى ولي نظرٌ لولا التحرج عَازمُ

فقلت : أشمسٌ أم مصابيح بيعةٍ بدت لك يوم السجف أم أنت حالمٌ

بعيدةٌ مهوى القُرط أُماً لنوفلٍ أبوها وأُمّا عبد شمس وهاشم

فلم أستطعها غير أنّ قد بدا لنا عشيةَ راحت وجهها والمعاصم

معاصم لم تضرب علي البُهم بالضُحى عصاها ووجهٌ لم تلحَه السمائم

نضَارٌ ترى فيه أساريع مائه صبيحٌ تٌعاديه الأكف النواعم



ومن طريق أبي الحسن الأثرم ، قال : كان يقال لهم المجيرون .



وفيهم قيل :



يا أيها الرجل المحمول رحله هلا نزلت بآل عبد مناف



وقال الشاعر :



نزلوا بمكة قبائل في قبائل نوفل ونزلت بالبيداء أبعد منزل



وهؤلاء ممن يشملهم اسم القرابة ، بل قيل في العِترة – وهي بالمثناة - : إنهم الأقربون والأبعدون معاً ، حتى قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه – وهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، الذي يلتقي نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم - . نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبيضته التي تفقأت عنه .



لكونه رضي الله عنه من قريش ، ولكن المشهور والمعروف ؛ أن عِترته أهل بيته الذين حرمت عليهم الزكاة .



ويؤخذ ذلك من قول أبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حين شاور أصحابه في أُسارى بدر : (( عِترتك وقومك )) .



فإنه أراد بعترته العباس رضي الله عنه ، ومن كان فيهم من بني هاشم ، وقومه قريشٌ .



إذا علم هذا فقد وقع الاصطلاح على اختصاص ذرية السبطين عن سائر من تقدم بالشطفة الخضراء ، لمزيد شرفهم كما أسلفت .



ويقال في سبب كونها خضراء : أن المأمون رحمه الله ، أراد أن يجعل الخلافة في بني فاطمة رضي الله عنها فاتخذ لهم شعاراً أخضر وألبسهم ثياباً خضراء ، لكون السواد شعار العباسيين ، والبياض شعار سائر المسلمين في جُمعهم ونحوها ، والأحمر مختلفٌ في كراهته والأصفر شعار اليهود بأخره .



بل ورد أن الملائكة عليهم السلام يوم بدر ، خرجوا بعمائم صفر .



ثم أنثنى عزمه عن ذلك ، ورد الخلافة إلى بني العباس ، فبقي ذلك شعاراً لأشراف العلويين من الزهراء رضي الله عنها . لكنهم اختصروا الثياب إلى قطعة من ثوب أخضر توضع على عمائمهم شعاراً لهم ، ثم انقطع ذلك إلى أواخر القرن الثامن .



فقد قرأت في حوادث سنة ثلاث وسبعين وسبع مئة من (( إنباء )) شيخنا رحمه الله ما نصه :



وفيها : أمر السلطان الأشرف أن يمتازوا عن الناس بعصائب خُضر على العمائم ، ففُعل ذلك في مصر والشام وغيرهما . وفي ذلك يقول أبو عبد الله بن جابر الأندلسي الأعمى نزيل حلب :



جعلوا لأبناء الرسول علامةً إنّ العلامة شأنُ من لهم يُشهَر

نورُ النبوّة في كريم وُجُههم يُغني الشريف عن الطِّراز الأخضر



وقال في ذلك جماعة من الشعراء ما يطولُ ذكره ، ومن أحسنه قول الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم بن بركة الدمشقي المزيّن . وأنشدني إياه إجازةً :



أطراف تيجانٍ من سُندسٍ خُضرٍ بأعلام على الأشراف

والأشْرف السّلطان خصّهم بها شرفاً ليفرقهم عن الأطراف

انتهى



والأشرفُ هو : السلطان شعبان بن حسين بن الناصر محمد قلاوون .



ويُقال : إن الأصل في لُبْس الخلفاء العباسيين السواد ، كونه صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعلى رأسه عمامة سوداء ، قد أرخى طرفها بين كتفيه . فتفائل الخُلفاء بذلك ، لكونه كان في ذلك اليوم منصوراً على الكفار ، فاتخذوه شعاراً ليكونوا دائماً منصورين على أعدائهم ، بل كانت ذُرية العباس رضي الله عنه يتميَّزون بالشطفةِ السوداء إلى آخر وقتٍ ، على ما أخبرني به من شاهدهُ من شيوخنا ، ثم بَطَل .



وقد سأل الرشيد الأوزاعي رحمهما الله عن لُبْس السواد ، فقال : إني لا أُحرِّمه ، ولكن أكرهه . قال : ولما ؟



قال : لأنه لا تُجلى فيه عروس ، ولا يُلبي فيه محرم ، ولا يُكفن فيه ميت .



ثم التفت الرشيد إلى أبي نواس وقال : فما تَقول أنت في السواد ؟



فقال : النور في السواد يا أمير المؤمنين – يعني أن الإنسان يبصر بسواد عينيه - .



ثم قال : يا أمير المؤمنين ، وفضيلةٌ أخرى : لا يُكتب كتابُ الله إلا به ، وكذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقوال العلماء لا تُكتب إلا به ، وهو مُضافٌ إلى الخلافة .



قال : فلما سمع الرشيد هذا الوصف في السواد ، اهتز طرباً وأمر له بجائزة سنيَّة .



(( تتمة ))



قد عُلمَ من هذه المقدمة الإشارة إلى جُملٍ في فن الأنساب الذي هو من جُملة فنون الأثر، وهو فنٌ جليلٌ يتضمن معرفة نسب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ينتمي إليه ، والتمييزَ بين بني عبد مناف هاشميها ، ومطلبيها ، وعَبْشَميها ، ونوفليها . وبين قُريش من كنانة ، والأوس من الخزرج ، والعربي من العجمي ، والمولى من الصريح .



ومن فوائده الشرعية :



الخلافةُ والكفاءةُ ، وتجنُّب تزويج ما يَحرمُ عليه ، ممن تلقّاه بنسبٍ في رحم مُحرَّمة ، والقيام بمن تجب عليه نفقتُهُ ، ومعرفةُ من يتصل به ممن يَرثه . وكذا معرفة ذوي الأرحام المأمور بصلتهم ومُعاونتهم ، ومعرفة الأنصار ليقوم بوصية النَّبي صلى الله عليه وسلم بهم ، وغير ذلك مما يطول شرحه .



وقد قال تعالى : { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا } .



أي: ليحصل التَّعارف بينكم ، كلٌّ يرجع إلى قبيلته .



وقال مجاهد رحمه الله : أي ليعرف بعضكم بعضاً بالنسب ، كما يُقال : فلان بن فلان ، من كذا وكذا . أي من قبيلة كذا وكذا .



وقال الثوري رحمه الله : كانت حِمْيَر ينتسبون إلى مَخاليفها ، وكانت عربُ الحجاز ينسبون إلى قبائلها .



وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه علاّمةٌ بالأنساب ، ولهذا لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه بهجاء المشركين ، وقال له : إنه لا عِلم لي بقريش .



قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه : (( أخبره عنهم ، ونقّب له في مثالبهم )) . ففعل ، وحينئذ قال حسان رضي الله عنه : لأَسُلنَّك – أي لأُخَلِّص – نسبك من هجوهم ، بحيث لا يبقى شيءٌ من نسبك فيما ناله الهجو ، كالشعرة إذا انسلّت ، لا يبقى عليها شيءٌ من أثر العجين .



وفي (( جامع الترمذي )) و (( مسند أحمد )) من حديث يزيد مولى المُنبعث ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( تعلموا من أنسابكُم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلةَ الرَّحم محبةٌ في الأهل ، مَثراةٌ في المال ، مَنسأةٌ في الأثر )) .



وقال : إنه غريبٌ ، لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه .



قلتُ : لكن له شاهدٌ عند البغوي ، والطبراني ، وابن شاهين وغيرهم ، من حديث عبد الملك بن يعلى ، عن العلاء بن خارجة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، قال : وذكر مثله . لكنه قال : (( منسأةٌ في الأجل )) .



إلا أنه كما قررتُ فيما كتبته من شرح الترمذي مُعْضَلٌ ، أو مُنقطعٌ .



والصَّواب فيه : عبد الملك بن عيسى بن العلاؤ بن جاريّة ، روايةً عن يزيد مولى المنبعث ، أو عن ولده عبد الله بن يزيد ، والله الموفق .



وفي (( الأدب المفرد )) للبخاري من حديث محمد بن جُبير بن مُطعم ، عن أبيه رضي الله عنه : (( أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يقول : تعلّموا أنسابكم ، ثم صلوا أرحامكم .



والله إنه ليكون بين الرجل وأخيه الشيء ، ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخلةِ الرحم ، لأوزعه ذلك الشيء عن انتهاكه )) .



وأما ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( علمُ النَّسب علمٌ لا يَنفع ، وجهالةٌ لا تضرّ )) .



فرواه أبو نُعيم وابن عبد البر ، ومن طريق أولهما أورده الرُّشاطي .



وأوله ُ : (( مرَّ برجل فقال : ما هذا ؟ ، قالوا : علاّمةٌ بالنسب )) ، فكلامٌ لا يثبت .



وكذا رُوي عن عمر رضي الله عنه أيضاً ، ولا يثبت .



ولهذا قال ابن عبد البر رحمه الله : لم يُنصف من زَعم أن عِلْمَ النسب عِمٌ لا ينفع ، وجهلٌ لا يضر .



وقال ابن حزم رحمه الله : إن فيه ما هو فرضٌ على كل أحد ، وما هو فرضٌ على الكفاية ، وما هو مستحبٌ .



ثم فصًّل ذلك بما يطُول إيراده .



وبالجملة : فالذي يَظْهُر – كما قاله شيخنا رحمه الله - : حملُ ما ورد من ذَمّهِ على التعمُّق فيه ، حتى يُشْتَغل به عما هو أهم منه ، حَملُ ما ورد في استحسانه ، يُغْني على كثير من فوائده التي أوردت منها جُملة .



وقد روينا من حديث الربيع بن سِبرة ، أنه سمع عمرو بن مرّة الجُهني رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من كان هاهنا من مَعدٍّ قاعدٌ ، فليَقُم )) ، فقمتُ . فقال : (( أُقعد )) ، فقعدت ، فعل ذلك ثلاث مرات ، كلما أقوم يقول : (( أُقعد )) . قلتُ : فمِمَّن نحن يا رسول الله ؟ قال : (( أنتم من قُضاعة بن مالك بن حمير ))



باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته بأهل بيته المشرف

كل منهم بانتمائه إليه ونسبته



عن زكريا بن أبي زائدة ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ألا إنّ عيبتي التي آوي إليها أهلُ بيتي ، وإنّ كّرِشي الأنصار . فاعفوا عن مُسيئهم واقبلوا من محسنهم )) .



أخرجه الترمذي في (( جامعه )) ، وقال : إنه حسن .



وهو عند العسكري في (( الأمثال )) من طريق عمرو بن قيس ، عن عطية بلفظ : (( ألا إنّ َعيبتي وكرشي أهل بيتي ، والأنصارُ ، فاقبلوا من مُحسنهم وتجاوزا عن مسيئهم )) .



وكذا أخرجه الديلمي من طريق عمرو بلفظ : (( أهل بيتي والأنصار كرشي وعيبتي... )) ، والباقي سواء .



والمعنى : أنهم جماعتي وصحابتي الذين أثقُ بهم ، وأُطلعهم على أسراري وأعتمد عليهم .



وعن أبي خثيمة زُهير بن حرب ، أنه قال: (( كرشي: باطني ، وعيبتي: ظاهري وجمالي )) انتهى .

وهذا غايةٌ في التعطف عليهم والوصية بهم .



وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (( وتجاوزا عن مسيئهم )) فهو نمط من قوله صلى الله عليه وسلم : (( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ، إلا الحدود )) .



إذ أهل البيت النبوي والأنصار من أجلّ ذوي الهيئات .



وقال البخاري في تفسير { حم عسق } من التفسير في (( صحيحه )) : حدثنا محمد بن بشار - هو بُنْدار – حدثنا محمد بن جعفر – هو غُنْدَرٌ – حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت طاووساً يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه سُئل عن قوله عز وجل { إلا المودة في القربى } .



فقال سعيد بن جبير – يعني بحضرة ابن عباس رضي الله عنهم - : قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم .



فقال له ابن عباس رضي الله عنهما : عَجَلت – أي في التفسير – إن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن بطنٌ من قريش ، إلا كان له فيهم قرابةٌ ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة )) .



وكذا رواه في بابٍ بلا ترجمة قُبيل مناقب قريش من (( المناقب )) .



قال : حدثنا مُسدّد ، حدثنا يحيى – هو القطان - ، عن شعبة ، حدثني عبد الملك ، عن طاووس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : { إلا المودة في القربى } ، قال : فقال سعيد بن جُبير : قُربى محمد صلى الله عليه وسلم .



وقال – يعني ابن عباس رضي الله عنهما - : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطنٌ من قريش ، إلا وله فيه قرابةٌ ، فنزلت – يعني الآية المسؤول عنها – عليه صلى الله عليه وسلم فيه : (( إلا أن تصلوا قرابةٌ بيني وبينكم )) .



وأخرجه ابن حبان في النوع السادس والستين من القسم الثالث من (( صحيحه )) من طريق مُسدد به ، ولفظه : سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية : { قلا لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } [ الشورى : 23 ] فقال سعيد بن جبير : قربى محمد صلى الله عليه وسلم .



قال ابن عباس رضي الله عنهما : عجلتَ ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطنٌ من قريش ، إلا كان له صلى الله عليه وسلم فيهم قرابةٌ . فقال صلى الله عليه وسلم : (( إلا أن تَصلوا ما بيني وبينكم من القرابة )) .



ورواه أبو بكر الإٍسماعيلي من طريق مُعاذ بن معاذ ، عن شعبة بلفظ : (( فقال ابن عباس رضي الله عنهما : إنه لم يكُن بطنٌ من بطون قريش ، إلا للنبي صلى الله عليه وسلم فيه قرابةٌ ، فنزلت { قل لا أسئلكم عليه أجراً } إلا أن تصلوا قرابتي منكم )) .



وكذا هو عندهُ أيضاً ، والواحدي معاً من طريق يزيد بن زُريع ، عن سعبة بلفظ : (( إلا تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة )) .



وهو عند أحمد عن القطان وغُندر وسليمان بن داود ، ثلاثتهم عن شعبة .



ورواه الترمذي في (( جامعه )) عن بندار ، ولفظه : (( سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية { قل لا اسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } )) ، فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم .



فقال ابن عباس : أعجلتَ . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطنٌ من بطون قريش إلا كان له فيهم قرابة ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة )) ، وقال الترمذي : إنه حسنٌ صحيح . وقد رُوي من غير وجه عن ابن عباس رضي الله عنهما .



قلت : من ذلك ما أخرجه سعيد بن منصور في (( سننه )) ، وابن سعد في (( الطبقات )) من طريق الشعبي قال : أكثروا علينا في هذه الآية ،فكتبنا إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، فكتب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واسط النسب في قريش ، لم يكن حيٌّ من أحياء قريش ، إلا ولدوهُ ، فقال الله عز وجل . { قل لا أسئلكم على ما أدعوكم أجراً إلا المودة ، تؤدّوني بقرابتي فيكم ، وتحفظوني في ذلك } .



ومن طريق الشعبي أيضاً ، قال : سألني رجلٌ عن هذه الآية ، فأمرتُ رجلاً فسأل ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال : إنه لم يكن بطنٌ من قريش ، إلا وقد كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم قرابةٌ ، قال الله تعالى : { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا أن تؤدّني في قرابتي فيكم } .



ومن حديث شريك عن خُصيف ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي منكم ، وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم )) .



ومن حديث سالم الأفطس ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لم يكن بطنٌ من بطون قريش ، إلا قد وَلدهُ ، أو له منهم قرابةٌ (( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تمنعوني وتكفّوا عني لقرابتي منكم )) .



وللطبراني من طريق معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة في جميع قريش ، فلما كذبوه ، وأبوا أن يتابعوه ،



قال: (( يا قوم إذا أبيتم أن تُبايعُوني ، فاحفظوا قرابتي فيكم . ولا يكون غَيركم من العرب أولى بحفظي ونُصرتي منكم )) .



ومنه عن الضحاك ، وعليّ بن أبي طلحة ، والعوفي ، ويوسف بن مهران ، وغيرهم . عن ابن عباس رضي الله عنهما .



وبهذا التفسير الذي جنحَ إليه ترجمان القرآن من حَمْلِه الآية على أن يُوادِدُوا النبي صلى الله عليه وسلم من أجل القرابة التي بينهم وبينه ، لا يكون الحديث مما نحن فيه ، بل الخطاب حينئذ لقريش خاصة .



ويتأيَد بأن السورة مكية ، والقربى قرابة العُصوبة والرحم ، فكأنه قال : احفظوني للقرابة ، إن لم تتبعوني للإسلام .



وكذلك قال عكرمة رحمه الله فيما أخرجه ابن سعد : قَلَّ بطنٌ من قريش ، إلا وقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ولادة ، فقال: (( إن لم تحفظوني فيما جئتُ به ، فاحفظوني لقرابتي )) .



وعن عكرمة رحمه الله أيضاً ، قال : كانت قريش تصلُ الأرحام في الجاهلية ، فلما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله خالفوه ، وقاطعوه ، فأمرهم بصلة الرحم التي بينه وبينها .



وروى سعيد بن منصور في (( سننه )) من وجهين ، وابن سعد في (( الطبقات )) عن حصين – هو ابن عبد الرحمن - ، عن أبي مالك – هو الغفاري – رحمه الله قال : (( لم يكن بطنٌ من بطون قريش ، إلاولرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم قرابةٌ ، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } فتحفظوني لقرابتي وتودوني )) .



وروى الواحدي من طريق عبد الكريم أبي أُمية ، قال : سألت مُجاهداً عن هذه الآية فقال : يقول : قل لا أسألكم على ما أقول أجراً ، ارقبوني في الذي بيني وبينكم ولا تعجلوا إليَّ ، ودعوني والناس .



وبه قال قتادة ، والسَُدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم رحمهم الله ، وغيرهم .



نعم ، إنما يدخُل في هذا الباب بالنظر لتفسير سعيد بن جُبير الذي ردَّه عبيه ابن عباس رضي الله عنهما ، وكأنَّ سعيداً رحمه الله استمر على مذهبه في ذلك .



فقد روى سعيد بن منصور في ( (سُننه )) من طريق أبي العالية قال : قال سعيد بن جُبير : { إلا المودة في القربى } قال : قُربى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو كان يُفسره بالوجهين .



فقد روى ابن سعد في (( الطبقات )) من حديث سالم ، عن سعيد بن جُبير أنه قال : { إلا المودة في القربى } ، قال : (( إلا تصلوا قرابة ما بيني وبينكم )) .



وهذا مُوافقٌ لما قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، على أنه جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً ، ما يشهد لقول سعيد الأول .



فأخرج الطبراني في (( معجمه الكبير )) ، وابن أبي حاتم في (( تفسير )) ، والحاكم في (( مناقب الشافعي )) والواحدي في (( الوسيط )) ، وآخرون منهم : أحمد في (( المناقب )) كلهم من رواية حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما .



قال : لما نزلت هذه الآية : { قلا لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } . قالوا : يا رسول الله ! من قرابتُك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ . قال : (( عليٌّ وفاطمة وابناهما )) .



إلاّ أنّ الأشقر شيعيٌ ساقط ، ولم تبلغ مرتبته أن يكون حديثُه مُعارضاً لما تقدم ، بل ذاك أولى منه وأقوى .



ونحوه أورده الطبري وابن أبي حاتم في (( تفسيرهما )) من حيث يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قالت الأنصار : فعلننا وفعلنا ، فكأنهم فخروا . فقال ابن عباس ، أو العباس – شك راويه – رضي الله عنهما : لنا الفَضْل عليكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم في مجالسهم .



فقال : (( يا معشر الأنصار ّ ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي )) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله .

قال : (( ألم تكونوا ضُلاَّلاً فهداكم الله بي )) ؟

قالوا : بلى يا رسول الله .

قال : (( أفلا تجيبوني )) ؟ قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟

قال : (( ألا تقولن : ألم يخرجك قومك فآويناك ؟ ، أوَلم يُكذّبوك فصّدَقناك ؟ ، أوَلم يخذلوك فنصرناك ؟ )) .

قال : فما زال يقول حتى جثوا على الرُّكب ، وقالوا : أموالنا وما في أيدينا ، لله ورسوله .

قال : فنزلت { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } .



وإنما كانت هذه القصة شاهدة لما قبلها ، لكون سبب النزول قول الأنصار رضي الله عنهم : أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله ، ومع ما سبق في أولها من التفاضل بينهم وبين بعض أهل البيت .



لكن هي وإن كان في (( الصحيحين )) في قسم غنائم حُنين نحو سياقها ، فليس هُناك نزول الآية التي هي محلُّ الاستشهاد منه ، والطريق بذلك ضعيف مع وجود شاهده باختصار . لكن من رواية الكلبي ونحوه من الضعفاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( لمَّا قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، كانت تَنُوبه نوائبُ وليس في يديه شيءٌ ، فجمع له الأنصار مالاً )) .



فقالوا : يا رسول الله ، إنك ابن أُختنا وقد هدانا الله بك ، وتنُوبك نوائبٌ وحقوق ، وليس معك سعةٌ . فجمعنا لك من أموالنا ما تستعين به عليه فنزلت .



ويتأكد ضعفُهما ، بكون الآية كما أسلفتُ مكية ، ولم تنزل في الأنصار ، وما وقع في الرواية الثانية على ضعفها ، من كون النبي صلى الله عليه وسلم ابن أُخْت الأنصار ، وما قد صَرحت به الرواية الصحيحه.



فإنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجراً وتنازعه القوم رضي الله عنهم أيُّهم ينزل عليه ، قال صلى الله عليه وسلم : (( إنِّي لَنُزُل الليلة على بني النجار – أخوال عبد المطلب - ، أكرمُهُم بذلك )) .



قيل ذلك وهو بمكةَ لمَّا جاءتْه الأنصار رضي الله عنهم ليبايعوه ، حضر معهم عمه العباس رضي الله عنه المبايعة ، وعظّم الذي بين الأنصار ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليكون ذلك داعياً إلى الوفاء بالشرط . وذكر حينئذ أنّ أُم عبد المطلب سلمى بن زيد بن عدي بن الندار ، انتهى.



وسلمى هذه ، كانت لا تنكح الرجال لشرفها في قومها ، حتى شرطوا لها أن أمرها بيدها ، إذا كرهت رجُلاً فارقتهُ . وهي من بني عدي بن النجار جزماً ، لكن ظاهر الرواية المتقدمة ، أن زيداً هو ابن عدي ، وقد وقع في غيرها بإثبات لبيد بن خِداش بن عامر بن غَنْم بينهما ، ولا تنافي بينهما .



نعم ، وقع في روايةٍ أُخرى : أن سلمى هي ابنة زيد بن عمرو بن أسد بن حرَام بن جُندَب بن عدي بن النجار ، والأول أثبت .



ولا شك في شرف الأنصار رضي الله عنهم بذلك ، مع ما لهم من الشرف العظيم ، والفخر الجسيم الذي لسنا بصدد إيراده هُنا .



ومنه : ما رواه الطبراني في (( الكبير )) بسند حسن عن أنس رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم .



فقال : (( ألا إنَّ لكل نبي تركة وضَيْعة ، وإن تركتي وضيعتي الأنصار . فاحفظوني فيهم )) انتهى .



وروى أبو الشيخ ، ومن طريقه الواحدي من حديث أبي هاشم الرمّاني ، عن زاذان ، عن علي رضي الله عنه قال : (( فينا في أل حم أيه لا يحفظُ مودَّتنا إلاَ كل مؤمن ، ثم قرأ { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } )) .



وكذا قال السُّدي عن أبي الديلم : (( لمّا جيء بعلي بن الحسين رحمه الله أسيراً ، فأُقيم علي درج دمشق ، قام رجلٌ من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ، وقطع قرن الفتنة.



فقال له عليّ بن الحسين رضي الله عنه : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم .

قال : أقرأت آل حم ؟ قال : قرأت القرآن ولم أقرأ أل حم ! .

قال : ما قرأت : { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } .

قال : وإنّكم لأنتم هم ؟! قال : نعم )) . أخرجه الطبري في (( تفسيره )) .



ولأبي بشر الدولابي طريق الحسن بن زيد بن حسن بن علي ، عن أبيه : أن الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال في خُطبته :







أنامن أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قلا لا أسئلكم عليه أجراً إلى المودة في القربى ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حُسناً } . فاقتراف الحَسنةِ ، مودتنا أهل البيت .



وعند الطبري من طريق أبي إسحاق الّسبيعي قال : سألت عمرو بن شعيب رحمه الله عن قوله تعالى : { قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القُربى } فقال : قُربى النبي صلى الله عليه وسلم .



وأورد المُحب الطبري : أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( إنَّ الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي ، وإني سائلكم غداً عنهم )) .



وإنما كان قول سعيد بن جُبير رحمه الله ومن وافقه على التفسير الذي بينْتُه عمَّن نقلناه عنهم ، شاهداً لما نحنُ فيه ، لحمل الآية على أمر المُخاطبين بأن يُواددوا أقارب النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني بما يليق بهم من البر والإحسان ، وسائر الوُجوه الحسان .



ولكن الحقّ كما جزم به ابن كير رحمه الله من هذين التفسيرين ، قول ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في (( الصحيح )) .



بل يُروى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وكذا عن الحسن البصري رحمه الله تفسيرٌ ثالث أيضاً ، وهو أن قوله تعالى : { إلا المودة في القربى } أي : إلا أن تعملوا بالطاعة التي تُقربكم عند الله زُلفى .



وهو عندي في أواخر جُزءٍ فيه أحد عشر مجلساً من (( أمالي أبي جعفر بن الَخْتري )) من حديث ابن أبي نجيح ، عن مُجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا أسئلكم على ما آتيتكم به من الكتاب والهدى أجراً ، إلا أن توادّوا الله عز وجل وتقرَّبوا إليه بطاعته )) .



وإذ قد بان لك الصحيح في تفسير هذه الآية .

فأقول : قد جاءت الوصية الصريحة بأهل البيت في غيرها من الأحاديث .



فعن سليمان بن مهران الأعمش ، عن عطية بن سعيد العوفي ، عن جبيب بن أبي ثابت . أولهما عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه وثانيهما عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظمُ من الآخر : كتابُ الله ، حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي . ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخْلُفُوني فيهما )) .



أخرجه الترمذي في (( جامعه )) ، وقال : حسنٌ غريب ، انتهى .



وحديث أبي سعيد ، عند أحمد في (( مسنده )) من حديث الأعمش ، وكذا من حديث أبي إسرائيل المُلائي إسٍماعيل بن خليفة ، وعبد الملك بن أبي سليمان .



ورواه الطبراني في (( الأوسط )) من حديث كثير النوآء ، أرْبَعَتُهم عن عطية ، ورواه أبو يعلى وآخرون .



وتعجبت من إيراد ابن الجوزي له في (( العلل المتناهية )) ، بل أّعْجّبتُ من ذلك قوله : إنه لا يصح ، مع ما سيأتي من طرقه التي بعضها في (( صحيح مسلم )) .



فقد أخرج في (( صحيحه )) حديث زيد ، من طريق سعيد بن مسروق ، وأبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان كلاهما – واللفظ للثاني – عن يزيد بن حيان عمّ ثانيهما ، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بماءٍ يُدعى (( خُمّا )) – بين مكة والمدينة – فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال :



(( أما بعد : ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربي فأُجيب ، وإني تاركٌ فيكم ثَقَلين . أوَّلهما كتابُ الله ، فيه الهُدى والنور ، فَخذوا بكتاب الله واستمسكوا به – فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه – ثم قال : وأهلُ بيتي . اُذكركم الله في أهل بيتي ، أُذكركم الله – ثلاثا ً- في أهل بيتي )) .



فقيل لزيد : من أهل بيته ، أليس نساؤُه من أهل بيته ؟ .

قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حُرِمَ الصدقة بعده ، قيل : ومن هُم ؟ قال : هم آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وأل عباس رضي الله عنهم .

قيل كلُّ هؤلاء حُرِمَ الصدقة ؟ ، قال نعم .



وفي لفظ : (( قيل لزيد رضي الله عنه : من أهل بيته ، نساؤه ؟ ، فقال : لا وأيمُ الله ، إنَّ المرأة تكون مع الرجل العصْرَ من الدهر ، ثم يُطلقها فترجع إلى أمها )) .



وفي رواية غيره : (( إلى أبيها وأُمّها . أهل بيته أصلهُ وعَصبتُه الذين حُرموا الصدقة

بعدهُ )) .



وأخرجه مسلم أيضاً ،وكذا النسائي باللفظ الأول ، وأحمد ، والدارمي في (( مسنديهما )) ، وابن خزيمة في (( صحيحه )) وآخرون ، كُلهم من حديث أبي حيان التيمي يحيى بن سعيد بن حيان ، عن يزيد بن حيان .



وأخرجه الحاكم في (( المستدرك )) من حديث الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطُّفيل عامر بن واثلة ، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه .



ولفظه : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حّجة الوداع ، ونزل غدير خُم ، مرَّ بدوحات فّقُمتُ ، ثم قام فقال : (( كأني قد دُعيت فأجبتُ ، إنِّي قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله عز وجل ، وعترتي ، فأنظروا كيف تَخْلُفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يرّدا عليَّ الحوض .



ثم قال : إن الله عز وجل مولاي ، وأنا وليُّ كلِّ مؤمن )) .



ومن حديث سلمة بن كُهيل ، عن أبيه ، عن أبي الطُّفيل أيضاً بلفظ : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة عند سمُرات خمس دوحاتٍ عظام ، فكنسَ الناسُ ماتحت السمرات ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيةً فصلى ، ثم قام خطيباً فحمد الله عز وجل وأثنى ، وذكر ووعظ ، فقال ما شاء الله أن يقول .



ثم قال : (( أيُّها الناس ، تاركٌ فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما ، وهما : كتاب الله ، وأهلُ بيتي عِترتي )) .



ومن حديث أبي الضحى مُسلم بن صبيح ، عن زيد بن أرقم مُقتصراً على قوله صلى الله عليه وسلم : (( إنّي تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله ، وأهل بيتي . وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض )) .



وقال عقب كلٍّ من الطرق الثلاثة : إنه صحيح الإسناد على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .



وكذا أخرجه من طريق يحيى بن جَعْدة ، عن زيد بن أرقم ، ووافقه على تخريج هذه الطريق الطبراني في (( الكبير )) ، وفيها وَصفُ ذاك اليوم بأنه : (( ما أتى علينا يومٌ كان أشدَّ حرَّاً منه )) .



وأخرجه الطبراني أيضاً من حديث حكيم بن جُبير ، عن أبي الطُفيل ، عن زيد . وفيه من الزيادة عقب قوله صلى الله عليه وسلم : (( وإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )) . (( سألت ربي ذلك لهما ، فلا تقدَّموهما فتهلكوا ، ولا تَقْصُروا عنهما فتهلكوا ـ ولا تُعلِمُوهم فإنَّهم أعلمُ

منكم )) .



وفي الباب عن جابر ، وحُذيقة بن أسيد ، وخُزيمة بن ثابت ، وزيد بن ثابت ، وسهل بن سعد ، وضُميرة ، وعامر بن ليلى ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعدي بن حاتم ، وعُقبة بن عامر ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي ذر ، وأبي رافع ، وأبي شُريح الخُزاعي ، وأبي قُدامة الأنصاري ، وأبي هريرة ، وأبي الهيثم بن التيهان ، ورجال من قريش ، وأم سلمة ، وأم هانئ ابنة أبي طالب ، الصحابة رضوان الله عليهم .



فأما حديث جابر رضي الله عنه :



فرواه الترمذي في (( جامعه )) من طريق زيد بن الحسن الأنماطي ، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطُب .



فسمعته يقول : (( يا أيها الناس ، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي )) .



وقال الترمذي بعدهُ : إنه حسنٌ غريب .



ورواه أبو العباس ابن عُقدة في (( الموالاة )) من طريق يونس بن عبد الله بن أبي فروة ، عن أبي جعفر محمد بن عليّ ، عن جابر رضي الله عنه ، قال : كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فلما رجع إلى الجُحفة ، أمر بشجراتٍ فقُم ما تحتهن ، ثم خطب الناس فقال :

(( أما بعد : أيها الناس ، فإني لا أراني إلا موشكاً أن أُدعى فأُجيب ، وإنّي مسؤولٌ وأنتم مسؤولون . فما أنتُم قائلون )) ؟ .

قالوا : نشهد أنك قد بلغتَ ، ونصحتَ وأديتَ .

قال : (( إنّي لكم فرَطٌ ، وأنتم واردون عليَّ الحوض ، وإنّي مُخلفٌ فيكم الثقلين . كتاب الله... ))



وأما حديث حُذيفة بن أُسيد الغفاري رضي الله عنه :



فرواه الطبراني في معجمه (( الكبير )) من طريق سلمةَ بن كُهيل ، عن أبي الطُفيل عنه ، أوعن زيد بن أرقم رضي الله عنهما ، قال : لما صدرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجّةِ الوداع ، نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء مُتقاربات أن ينزلوا تحتهُن ، ، ثم قام فقال :



(( يا أيها الناس ، إني قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لن يُعمَّرَ نبيٌ إلاّ نصف عُمُر الذي يليه من قبله ، وإني لا أظنَ أني يوشكُ أن أُدعى فأجيب . وإني مسؤولٌ وإنكم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟ ))



قالوا : نشهد أنك بلغتَ ، وجهدتَ ونصحت ، فجزاك الله خيراً .

فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله . وأن جنته حقٌّ ،وأن ناره حقٌّ ، وأنَّ الموتَ حقٌّ ، وأنَّ البعثَ حقٌّ بعد الموت . وأنَّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها ، وأنَّ الله يبعثُ من في القبور )) ؟ .

قالوا : نشهد بذلك .

قال : (( اللهم أشهد )) .



ثم قال : (( يا أيها الناس ، إنَّ الله مولاي ، ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كُنتُ مولاهُ ، فهذا مولاهُ – يعني علياً - ، اللهمَّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداهُ )) .



ثم قال : (( يا أيها الناس ، إنِّي فرطُكُم ، وإنكم واردون عليَّ الحوض . حوضٌ أعرضُ ممّا بين بُصرى إلى صنعاء ، فيه عَددُ النجوم قُدحانُ من فضة . وإّي سائلكُم حين تردون عليَّ عن الثقلين ، فانظروني كيف تخلفوني فيهما . الثقلُ الأكبر : كتابُ الله عز وجل ، سببٌ طرفهُ بيد الله ، وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تُبدّلوا . وعِترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليَّ الحوض )) .



ومن هذا الوجه أوردُه الضياء في (( المختارة )) ، ورواه أبو نُعيم في (( الحلية )) . وغيرهُ من حديث زيد بن الحسن الأنماطي ، عن معروف ابن خَرَّبوذ ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة رضي الله عنه وحده به .



وأما حديث خُزيمة رضي الله عنه :



فهو عند أبي عُقدة من طريق محمد بن كثير ، عن فطر ، وأبي الجارود ، كلاهما عن أبي الطُّفيل : أن علياً رضي الله عنه قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أنشد الله من شهد يوم غدير خُمٍّ إلا قام ،ولا يقوم رجلٌ يقول : نبئتُ أو بلغني ، إلا رجلٌ سمعت أذناه ووعاه قلبه . فقام سبعة عشر رجلاً ، منهم : خزيمة بن ثابت ، وسهلُ بن سعد ، وعديٌّ بن حاتم ، وعقبة بن عامر ، وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو شريح الخزاعي ، وأبو قدامة الأنصاري ، وأبو ليلى ، وأبو الهيثم التيهان رضي الله عنهم ، ورجالٌ من قريش .



فقال عليٌّ رضي الله عنه وعنهم : هاتوا ما سمعتم .



فقالوا : نشهد أنَّا أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجَّة الوداع حتى إذا كان الظهر ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بشجراتٍ فسدين ، وألقى عليهنَّ ثوبٌ . ثم نادى بالصلاة ، فخرجنا فصلينا ، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال :

(( أيها الناس ، ما أنتم قائلون ؟ ، قالوا : قد بلغت ، قال : اللهم اشهد – ثلاث مرات – ، قال : إنّي أوشك أن أُدعى فأجيب ، وإنيّ مسؤولٌ وأنتم مسؤولون )) .



ثم قال : (( ألا إنَّ دمائكم وأموالكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا ، وحرمة شهركم هذا . أوصيكم بالنساء ، وأوصيكم بالجار ، أوصيكم بالمماليك ، أوصيكم بالعدل والإحسان )) .



ثم قال : (( أيها الناس ، إني تاركٌ فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، نبأني بذلك اللطيف الخبير )) – وذكر الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم - : (( من كنتُ مولاه ، فعليٌ مولاه )) – فقال عليٌّ رضي الله عنه : صدقتم ، وأنا على ذلك من الشاهدين .



وأما حديث زيد رضي الله عنه :



فرواهُ في (( مسنده )) ولفظه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني تاركٌ فيكم خليفتين : كتاب الله حبلٌ ممدودٌ ما بين السماء والأرض – أوما بين السماء إلى الأرض - ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليًّ الحوض )) .



وأما حديث سهل رضي الله عنه :



فقد تقدم مع خُزيمة رضي الله عنه .



وأما حديث ضُميرة الأسلمي رضي الله عنه :



فهو في (( المُوالاة )) من حديث إبراهيم بن محمد الأسلمي ، عن حسين بن عبد الله بن ضُميرة ، عن أبيه ،عن جده رضي الله عنه ، قال : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ، أمر بشجرات فقمُمن بوادي خُم وهجَّر ، فخطب الناس فقال :

(( أما بعد : أيها الناس ، فإني مقبوضٌ أوشك أدعى فأجيب ، فما أنتم قائلون )) ؟

قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، ونصحت وأديت .

قال : (( إني تاركٌ فيكم ما إن استمسكتم به لن تصلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض . قانظروا كيف تخلفوني فيهما )) .



وأما حديث عامر رضي الله عنه :



فأخرجه ابن عُقدة في (( الموالاة )) من طريق عبد الله بن سنان ، عن أبي الطُفيل ، عن عامر بن ليلى بن ضمرة ،وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهما ، قالا : لما صدرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ولم يحجَّ غيرها ، حتى إذا كان بالجحفة ، نهى عن سمُراتٍ بالبطحاء متقاربات لا ينزلوا تحتهنَّ ، حتى إذا نزل القوم وأخذوا منازلهم سواهنَّ . أرسل إليهنَّ ، فقُمَّ ما تحتهنَّ وسدِّين على رؤوس القوم ، حتى إذا نودي للصلاة غدا إليهنَّ فصلّى تحتهن ، ثم انصرف على الناس – وذلك يوم غدير خم ، وخمٌّ من الجُحفة ، وله بها مسجد معروف – فقال :



(( أيها الناس ، إنه قد نبأني اللطيف الخبير : أنَّهُ لن يُعمَّر نبيٌّ إلا نصف عمر الذي يليه قبله )) .

وذكر الحديث .



والقصد منهُ قوله صلى الله عليه وسلم : (( أيُّها الناس ، أنا فرَطُكم ، وإنكم واردون عليَّ الحوض أعرضُ مما بين بُصرى وصنعاء ، فيه عدد النجوم قُدحانٌ من فضةٍ . ألا وإني سائلكم حين تردون عليَّ الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما حين تلقوني )) .

قالوا : وما الثقلان يا رسول الله ؟

قال : (( الثِقلُ الأكبر : كتاب الله ، سببٌ طرفٌ بيد الله وطرفٌ بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تُبدّلوا . ألا وعترتي ، فإني قد نبأني اللطيف الخبير أن لا يتفرقا حتى يلقياني ، وسألت ربي لهم ذلك فأعطاني . فلا تسبقوهم فتهلكوا ، ولا تُعلِموهم فهُم أعلم منكم )) .



ومن طريق بن عُقدة أوردهُ أبو موسى المديني في (( ذيله )) في الصحابة ، وقال : إنه غريبٌ جدا ً .



وأما حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه :



فهو عند ابن أبي شيبة ، وعند أبي يعلى في (( مسنديهما )) وكذا أخرجه البزار في (( مسنده )) أيضاً ولفظُهُ : ((لمّا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، انصرف إلى الطائف فحاصرها سبع عشرة ، أو تسعة عشرة ، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه )) ثم قال :



(( أوصيكم بعترتي خيراً ، وإنَّ موعدكم الحوضُ . والذي نفسي بيده لتُقيمُنَّ الصلاة ولتُؤتُنَّ الزكاة ، أو لأبعثَنَّ إليكم رجلاً مني – أو كنفسي – يضربُ أعناقكم ))



ثم أخذ بين علي رضي الله عنه فقال : (( هذ ا)) .



وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما :



فأشار إليه الديلمي في (( مسنده )) .



وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما :



فهو في (( المعجم الأوسط )) للطبراني بلفظ : آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اخلفوني في أهل بيتي )) .



وأما حديث عدي بن حاتم ، وعقبة بن عامر رضي الله عنهما :



فقد تقدم حديثهما في خزيمة رضي الله عنه .



وأما حديث علي رضي الله عنه :



فهو عند إسحاق بن راهويه في (( مُسنده )) من طريق كثير بن زيد عن محمَّد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جدّه علي رضي الله عنه : أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال :



(( قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله سببهُ بيده ، وسببهُ بايديكم . وأهل بيتي )) .



وكذا رواه الدولابي في (( الذُّرِّية الطاهرة )) ، ورواه الجِعَابي في (( الطالبين )) من حديث عبد الله بن موسى ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :



(( إني مُخلفٌ ما إن استمسكتم به لن تضّلوا : كتاب الله عز وجل ، طرفهُ بيد الله ، وطرفه بأيديكم . وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )) .



وروااه البزار بلفظ : (( إني مقبوضٌ ، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين – يعني كتاب الله وأهل بيتي - ، وإنَّكم لن تضلوا بعدهما ، وإنه لن تقوم الساعة حتى يُبتغى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . كما تُبتغى الضَّالةُ ، فلا تُوجد )) .



وأما حديث أبي ذر رضي الله عنه :



فأشار إليه الترمذي في (( جامعه )) ، وأخرجه ابن عُقدة من حديث سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن أبي ذر رضي الله عنه : أنه أخذ بحلقه باب الكعبة ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :



(( إنّي تاركٌ فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي . فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما )) .



وأما حديث أبي رافع رضي الله عنه :



فهو عند ابن عُقدة أيضاً ، من طريق محمّد بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه عن جده أي رافع موفى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه ، قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم غدير خم مصدره من حجة الوداع ، قام خطيباً باناس بالهاجرة . فقال : (( أيها الناس )) ، وذكر الحديث .



ولفظه : (( إني تركت فيكم الثقلين . الثقل الأكبر ، والثقل الأصغر . فأما الثقل الأكبر : فبيد الله طرفه ، والطرف الآخر بأيديكم . وهو كتاب الله ، إن تمسكتم به ، فلن تضلوا ولن تذلّوا أبداً )) .



وأما الثقل الأصغر : فعترتي أهلُ بيتي ،إن الله هو الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا ، حتى يردا عليَّ الحوض ، وسألته ذلك لهما .

والحوض عرضُهُ ما بين بُصرى وصنعاء ، فيه من الآنية عدد الكواكب . والله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه ، وأهل بيتي )) الحديث .



وأما حديث أبي شريح ، وأبي قدامة رضي الله عنهما :



فقد تقدما في خزيمة رضي الله عنه .



وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه :



فهو عند البزار في (( مسنده )) بلفظ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني خلفتُ فيكم اثنين لن تضلوا بعدهما أبداً : كتاب الله ، ونسبي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )) .



وأما حديث أبي الهيثم ورجال من قريش :

فقد تقدموا في خزيمة رضي الله عنه .



وأما حديث سلمة رضي الله عنها :



فهو عند ابن عقدة من حديث هارون بن خارجة ، عن فاطمه ابنة علي ، عن أم سلمة رضي الله عنها ، قالت : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد عليّ رضي الله عنه بغدير خم ، فرفعها حتى رأينا بياض ابطه ، فقال : (( من كنتُ مولاه )) – الحديث .



وفيه ، ثم قال : (( يا أيّها الناس ، إني مخلفٌ فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )) .



وأما حديث أمّ هانئ رضي الله عنها :



فهو عنده أيضاً من حديث عمرو بن سعيد بن عمرو بن جَده‘بن هُبيْرة ، عن أبيه : أنه سمعها تقول : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجَّته ، حتى إذا كان بغدير خُمٍّ ، أمر بدوحات فقُممْنَ ، ثم قام خطيبا بالهاجرة . فقال :



(( أما بعد : أيها الناس ، فإني موشكٌ أن أُدعى فأجيب ، وقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعدّهُ أبداً كتاب الله طرفٌ بيد الله ، وطرفٌ بأيديكم . وعترتي أهلُ بيتي ، أُذكِّركُم الله في أهل بيتي . ألا إنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )) .



* وهذه إشارةٌ إلى شيءٍ من فوائد هذا الحديث :



فالثقلان : هما وكما تقدم : كتاب الله والعترة الطيبة – إنما سمَّاها بذلك إعظاما لقدرهما ، وتفخيماً لشأنهما . فإنه يُقال لكل شيء خطير نفيس : ثقيل ، وأيضاً فلأنَّ الآخذُ بهما والعمل بهما : ثقيل .



ومنه : قوله تعالى { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } أي : له وزنٌ وقدر ، أو لأنه لا يؤدى إلأا بتكلف ما يثقل . وكذا قيل للجن والإنس : الثقلان ، لكنهما قُطّانُ الأرض ، وفُضّلا بالتمييز على سائر الحيوان .



وناهيك بهذا الحديث العظيم فخراً لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن قوله صلى الله عليه وسلم :



(( انظروا كيف تخلفوني فيهما )) ، و (( أوصيكم بعترتي خيراً )) ، و (( أُذكركم الله في أهل بيتي )) .



على اختلاف الألفاظ في الروايات التي أوردتُها ، تتضمن الحث على المودة لهم والإحسان إليهم ، والمحافظة عليهم ، واحترامهم وإكرامهم ، وتأدية حُقوقهم الواجبة والمستحبة . فإنهم من ذُرية طاهرة ، من أشرف بيت وُجدَ على وجه الأرض ، فخراً ، وحسباً ، ونسباً .



ولا سيما إذا كانوا متَّبعين للسنَّة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية ، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه ، وعليٍّ وآل بيته وذويه رضي الله عنهم .



وكذا يتضمن تقديم المُتأهل منهم للولايات على غيره .



بل وفي قوله صلى الله عليه وسلم كما تقدم : (( لا تقدَّموها فتهلكوا ، ولا تُقصروا عنها فتهلكوا ، ولا تُعلموهم فإنهم أعلمُ منكم )) .



إشارةٌ إلى ما جاءت به الأحاديثُ الصريحة ، من كون الخلافة في قريش ، ووجوب الانقياد لهم ، فيما لا معْصية فيه .



فمن ذلك : عن جبير بن مطعم رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يا أيّها الناس ، لا تقدَّموا قريشاً فتهلِكوا ، ولا تخلَّفوا عنها فتضلوا ، ولا تُعلموها وتعلَّموا منها ، فإنَّهم أعلمُ منكم . لولا أن تَبْطُرَ قُريش ، لأخبرتُهنا بالذي لها عند الله عز وجل )) . أخرجه البيهقي .



وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :



(( الناس تبعٌ لقريش في هذا الشأن ، مُسلمهم تبعٌ لمسلمهم ، وكافرهم تبعٌ لكافرهم . فالناس معادن ، خيارُهم في الجاهلية خيارُهم في الإسلام ، إذا فَقُهوا )) متفقٌ عليه .



وعن معاوية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :



(( إنَّ هذا الأمر في قريش ، لا يُعاديهم أحدٌ إلا كبَّهُ الله على وجهه ، ما أقاموا الدّين )) أخرجه البخاري.



وعن أبي بَزْرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الأمراء في - قريش ثلاثاً – ما حكموا فعدلوا ، واستُرحموا فرحموا ، وعاهدوا فوفوا )) .



وعن عتبة بن عبدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :



(( الخلافة في قريش ، والحكم في الأنصار ، والدَّعوة في الحبشة ، والهجرة في المسلمين ، والمهاجرين بَعْد )) . أخرجهما أحمد .



وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :



(( أمانٌ لأهل الأرض من الغرق القوس ، وأمانٌ لأهل الأرض من الاختلاف المُوالاة لقريش . قريش أهل الله ، فإذا خلافتها قبيلةٌ من العرب صاروا حِزْبَ إبليس )) . أخرجه الطبراني .



وعن سهل بن سعد السعدي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أحبوا قريشاً ، فإنَّ من أحبهم ، أحبه الله )) .



أخرجه ابن عرفة في (( جزئه )) الشهير من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل ، عن أبيه ، عن جده به .



إلى غير ذلك من الأحاديث التي اعتنى شيخنا رحمه الله بجمعها في كتاب سماه (( لذَّة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش )) ، فلا نُطيل بسياقها .



وقد سُئل رحمه الله عن معنى حديث : (( قدّموا قريشاً )) فقال : هو على العموم في كل أمر من الأمور ، على ما يقتضيه لفظ الخبر .



وقد استدل به الإمام الشافعي رحمه الله على تقديم القرشي في إمامة الصلاة . ومحل ذلك : إذا اجتمع قرشيٌّ وغير قرشي في طلب أمرٍ ووافق كلٌّ منهما شرط ذلك الأمر ،فيقدم القرشي على غير القرشي ، إذا استوى كلٌ منهما شرط ذلك الأمر ، فيقدم القرشيُّ على غير القرشي ، إذا استوى معه في ذلك .



مثالُ ذلك : أن تكون وظيفة تدريس ، وغير القرشي عالمٌ ، والقرشي غير عالم ، أو غير القرشي فائقٌ ، والقرشي مبتدئ ، فيقدم العالم والفائق .



وكذلك لو حضر قرشيٌّ غيرُ فقيه ، وفقيهٌ غيرُ قرشي ، قُدّم الفقيه في الإمامة على القرشيِّ ، وقس على ذلك .



ثم إن قول زيد بن أرقم رضي الله عنه الماضي في تفسير أهل البيت . اختطفت الرواية عنه في إثبات كون نسائه من أهل بيته ، ونفيه ، ويمكن الجمعُ بينهما : بأنَّ المنفيَّ الاقتصار عليهن فقط ، والمُثبتَ بانضمامهن مع من ذُكر ، وبذلك يجتمع هذا الحديث أيضاً مع الآية التي هُنَّ سببُ نزولها ، وهي قوله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } .



وفي (( صحيح مسلم )) من حديث مُصعب بن شيبة ، عن صفية ابنة شيبة ، قالت : قالت عائشة رضي الله عنها : خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداةٍ وعليه مِرْطٌ مُرحَّلٌ من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي رضي الله عنهما فأدخله ، ثم جاء الحسين رضي الله عنه فأدخله ، ثم جاءت فاطمة رضي الله عنها فأدخلها ، ثم جاء عليٌّ رضي الله عنه فأدخله . ثم قال :

{ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } وغفل الحاكم فاستدركه .



وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم في حديث بعضهم من الزيادة : (( اللهم هؤلاء أهلُ بيتي ، وأهلُ بيتي أحق )) .



وفي حديث آخر : أنه فعل ذلك لما نزلت آية المُباهَلة { ندعُ أبناءنا وأبناءكم } .

وفي آخر : أن أمَّ سلمة رضي الله عنها جاءت تدخُل معهم ، فقال لها صلى الله عليه وسلم بعد منعه لها: (( إنّك على خير )) .

وفي آخر أنها قال : يا رسول الله ! وأنا ، قال : (( وأنتِ )) .

وفي آخر : (( أنتِ من أهلي )) .

وفي آخر : أن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : فقلتُ : وأنا يا رسول الله صلى الله عليك ، من أهلكَ ؟ قال : (( وأنتَ من أهلي )) .

قال واثلة : فإنها من أرجى ما أرتجي .



وفي أسانيدها كلها مقال .



ويروى عن علي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( سلمان منَّا آل البيت ، وهو ناصحٌ ، فاتخذهُ لنفسك )) .



وفي (( الفردوس )) بلا إسنادٍ عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً : (( أسامة منا أهل البيت ، ظهراً لبطن )) .



وعند أحمد في (( المناقب )) عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت – يعني { إنما يريد أن ليذهب الله عنكم الرجس } – في خمسة : النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، وعليٌّ ، وفاطمة ، والحسن والحسين رضي الله عنهم .



وكذا اشتمل النبيّ صلى الله عليه وسلم على عمّه العباس وبينه رضي الله عنهم بملاءته ، وقال : (( يا ربّ ، هذا عمّي صنو أبي ، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كسترتي إياهم بملائتي هذه ، فأمَّنت أسكَّفةُ الباب وحوائط البيت ، فقالت : آمين آمين آمين )) .



وحديث عائشة رضي الله عنها أصح ، وفيه منقبة ظاهرة لأهل البيت .



ولذلك قال الحسن بن علي رضي الله عنهما فيما رواخ ابن أبي حاتم عن طريق حصين بن عبد الرحمن ، عن أبي جميلة : أن الحسن بن علي رضي الله عنهما استخلف حين قُتل عليٌّ رضي الله عنه قال : (( فبينما هو يُصلّي ، إذ وثب عليه رجلٌ فطعنهُ بخنجرٍ – وزعم حصين : أنّه بلغه أن الذي طعنهُ رجلٌ من بني أسد – وحسنٌ ساجد .



فقال : يا أهل العراق ، اتقوا الله فينا . فإنّا أُمراؤكم وضيفانكم ، ونحنُ أهل البيت الذي قال الله عزَّ وجل : { إنما يريدُ الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيراً } .

قال : فما زال يقولها حتى ما بقي أحدٌ من أهل المسجد ، إلا وهو يحنُّ بكاء )) انتهى .



ولم يمت رضي الله عنه من هذه الطعنة، وعاش بعدها عشر سنين فأكثر . لكنْ سُقي السُّمَّ مراراً ، منها على يد جَعدةَ ابنة الأشعث بن قيس ، واشتكى منه نحو أربعين يوماً ، ومات رضي الله عنه بالمدينة ودُفن بالبقيع .



بل قال زين العابدين عليٌّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم لرجل من أهل الشام : أما قرأت في الأحزاب : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجسَ أهل البيت ويطهركم تطهيراً } .

قال : ولأنتم هُمْ ؟ ، قال : نعم .



وقول زيد بن أرقم رضي الله عنه : أهل بيته من حُرم الصدقة ، هو ( بضم المهملة وتخفيف الراء ) . والمرادُ بالصدقة : الزكاة الواجبة ، تنزيهاً لهم عن أكل أوساخ الناس ، وهي في مذهب الشافعي رحمه الله حرامٌ على بني هاشم ، وبني عبد المطلب ، وقد عُوّضوا بدلاً عما حُرموه من ذلك ، باشتراكهم دون غيرهم من قبائل قريش في سهم ذوي القربى .



قال البيهقي رحمه الله : وفي تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم وبني عبد المطلب بإعطائهم سهم ذي القُربى ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيءٌ واحد )) . فضيلة أُخرى وهي : أنه حرّمَ الله عليهم الصدقة ، وعوضهم منها هذا السهم من الخُمْس فقال صلى الله عليه وسلم :

(( إن الصدقة لا تحِلُّ لمُحمّد ، ولا لآل محمد )) .



قال : وذلك يَدلكَ أيضاً على أن آله الذين أُمرنا بالصلاة عليهم معه ، هُمُ الذين حرَّم الله عليهم الصدقة ، وعوَّضهم منها هذا السهم من الخُمْس .



فالمسلمون من بيني هاشم وبني عبد المطلب ، يكونون داخلين في صلواتنا على آل نبينا صلى الله عليه وآله ، في فرائضنا ونوافلنا ، وفيمن أمرنا بحبّهم . انتهى .



وأما أبو حنيفة ، ومالكٌ رحمهما الله ، فقصرا التحريم في الواجبة على بني هاشم فقط ، على أنّه رُوي عن أبي حنيفة رحمه الله خلافُ ذلك أيضاً .



فحكى الطبري عنه جوازها لهم مُطلقاً ، والطحاوي إذا حُرموا سهم ذوي القربى . وهذا أيضاً محكيٌّ عن الأبهري من المالكية ، بل هو وَجْهٌ لبعض الشافعية .



وقال القاضي أبو يوسف رحمه الله : تحلُّ من بعضهم لبعض ، لا من غيرهم . يعني لما فيه من رفع يد الأدنى على الأعلى ، بخلاف غيرهم .



وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصدقة كما في (( صحيح مسلم )) : (( إنّما هي أوساخ الناس )) .



ومن هذا الحديث يُخذ جواز أخذهم صدقة التطوع دون الفرض ، وهو قول أكثر الحنفية ، والمُصَّححُ عند الشافعية والحنابلة ، وروايةٌ عن المالكية .



بل عندهم أُخرى ، في جواز الفّرضِ دون التطوع ، ووجهه أن بالأخذ سقط الفرضُ عن المُعطى ، فان مُعيناً له ، فلا ذرة حينئذ .



ويساعده تفسير اليد العليا بالآخذة ، كما بُسط في محله ، والله الموفق .



وأورد المُحبُّ الطبري بلا إسناد أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( استوصوا بأهل بيتي خيراً ، فإني أُخاصِمُكُم عنهم غداً . ومن أكن خصْمُهُ ، أَخْصِمْهُ ، ومن أخصمه ، دخل النار )) .



ولم أقف له على أصلٍ أعتمده .



وعن شُعبة ، عن واقد بن محمّد ، عن أبيه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال أبو بكر رضي الله عنه : (( ارقبوا محمّداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته )) .

أخرجه البخاري في (( صحيحه )) من وجهين عن شُعبة .



والمراقبةُ للشيء المحافظةُ عليه ، وخاطب أبو بكر رضي الله عنه الناس بذلك يُوصيهم بأهل بيت نبيهم صلى الله عليه وسلم يقول : (( احفظوه فيهم )) .

فلاتؤذوهم ولا تُسيئوا إليهم ، والله أعلم .

باب: الحث على حبهم والقيام بواجب حقّهم



عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن جده رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبوني لحب الله عز وجل . وأحبوا أهل بيتي لحبي )) .

أخرجه الترمذي عن أبي داود صاحب (( السنن )) ، وقال : إنه حسن غريب ، إنما نعرفه من هذا الوجه .

وكذا أخرجه البيهقي في (( الشُّعب )) ، ومن قبله الحاكم ، وقال : صحيح الاسناد ولم يُخرجاه . ومن العجيب ذكرُ ابن الجوزي لهذا الحديث في (( العلل المتناهية )) .

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري ، عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يُؤمن عبْدٌ حتى أكونَ أحبَّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، ويكون أهلي أحبّ إليه من أهله ، وتكون ذاتي أحبَّ إليه من ذاته )) .

أخرجه البيهيقي في (( شُعب الإيمان )) ، وأبو الشيخ في (( الثواب )) ، والديلمي في (( مسنده )) .

وعن عبد الله بن الحارث ، عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لا يدخل قلب رجلٍ الإيمان ، حتى يحبَّكم لله ولرسُوله )) . أخرجه أحمد والحاكم في (( صحيحه )) ، واستشهد لصحته بما أخرجه هو .

وكذا ابن ماجه من طريق محمد بن كعب القُرظي ، عن العباس رضي الله عنه قال : كنَّا نلقى النفر من قريش وهم يتحدثون فيقطعون حديثهم ، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( ما بالُ أقوام يتحدثون ، فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي ، قطعوا حديثهم . والله لا يدخل قلب رجل الإيمان ، حتى يحبَّهم لله ولقرابتهم مني )) .

وعن عبد الله بن الحارث أيضاً ، عن عبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنه قال : دخل العباس رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنا لَنخْرجُ فنرى قريشاً تحدِّث ، فإّذا رأونا سكتوا . فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرَّ عِرقٌ بين عينيه ، ثم قال : (( والله لا يدخل قلب مسلمٍ إيمان ،حتى يحبكم لله ولقرابتي ))

أخرجه أحمد والبغوي ، وكذا الترمذي في (( جامعه )) لكن بلفظ : حتى يحبكم لله ولرسوله )) .

وهوعند محمد بن نصر المرْوزي بلفظ : ((والذي نفسي بيده ، لا يدخل قلب أحد الإيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي )) . الحديث . وسمّى الصحابي المُطّلب بن ربيعة .

ورويناه من طريق أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال : جاء العباس رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنك تركت فينا ضغائن ، منذ صنعت الذي صنعت .

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يبلغوا الخير – أو قال : الإيمان ، - حتى يحبوكم لله ولقرابتي . أترجو سلهبٌ – حيٌّ من مراد – شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب )) . أخرجه الطبراني في (( الكبير )) .

وعنده في (( الأوسط )) من طريق عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقول : (( يا بني هاشم ، إني قد سألت الله عز وجل لكم أن يجعلكم نُجباء رُحماء ، وسألته أن يهدي ضالّكم ، ويؤمن خائفكم ، ويُشبع جائعكم )) .

وأن العباس رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني انتهيت إلى قومٍ يتحدثون ، فلما رأوني سكتوا ، وما ذاك إلا أنّهم يُبغضونا .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أوقد فعلوها ؟ والذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدهم ، حتى يحبكم بحبي . أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي ، ولا يرجوها بنو عبد المطلب )) .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن دُرَّة ابنة أبي لهب رضي الله عنها قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مُغضباً حتى استوى على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : (( ما بال رجالٍ يؤذونني في أهل بيتي ! والذي نفسي بيده ، لا يؤمنُ عبدٌ بي حتى يُحبني ، ولا يحبني حتى يحب ذوي )) . رواه أبو الشيخ بسندٍ ضعيف .

وروى ابن أبي عاصم ، والطبراني ، وابن منده من طريق عبد الرحمن بن بشر – وهو ضعيف – عن محمد بن ‘سحاق ، عن نافع ، وزيد بن أسلم ، عن ابن عمر . وعن سعيد المقبري وابن المنكدر ، عن أبي هريرة ، وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهم .

قالوا : قدمت درَّة ابنة أبي لهب المدينة مُهاجرةً ، فنزلت في دار رافع بن المُعلّى . فقال لها نسوةٌ من بني زُريق : أنت ابنةٌ أبي لهب الذي يقول الله عز وجل له : (( تبت يدا أبي لهبٍ وتب } فما تُغني عنك هجرتُك .

فأتت درَّة النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : (( اجلسي )) ، ثم صلّى بالناس الظُّهر وجلس على المنبر ساعة . ثم قال :

(( أيها الناس ، مالي أوذى في أهلي ؟ فوالله إن شفاعتي لتنال قرابتي ، حتى أنَّ صُداءً ، أو حكماً وسلهَباً ، لتنالُها يوم القيامة )) .

وصُداء : حيٌّ من اليمن ، وكذا حكم : أبو حيٍّ من اليمن .

وهو عند ابن منده من طريق يزيد بن عبد الملك النوفلي – وهو واهي – عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن سُبيعة ابنة أبي لهب رضي الله عنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن الناس يصيحون بي يقولون : إني ابنة حطب النار .

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغضبٌ شديد الغضب فقال : (( ما بال أقوامٍ يؤذونني في نسبي وذوي رحمي ! ألا من آذى نسبي وذوي رحمي ، فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله )) .

وكذا أخرجه البيهقي من هذا الوجه بلفظ : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغصبٌ شديد الغضب فقال : (( ما بال أقوامٍ يؤذونني في قرابتي ! ألا من آذى قرابتي ، فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى )) .

وقال ابن منده عقبة رواه محمد بن إسحاق وغيره ، عن المقبري فقالوا : قدمت درَّة ابنة أبي لهب – يعني كالأول – وصوَّبه أبو نعيم : على أنه يجوز أن يكون لها اسمان ، أو أحدهما لقب ، أو تعددت القصة لامرأتين . أفاده شيخي رحمه الله .

قلت : ويشهدُ للتعدد ، وقوع ذلك لغيرهما .

فروى الطبراني في (( الكبير )) عن عبد الرحمن بن أبي رافع ، عن أم هانئ ابنة أبي طالب رضي الله عنها : أنها خرجت متبرّجة قد بدا قرطاها ، فقال لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه : اعلمي ، فإن محمداً لا يُغني عنك شيئاً .

فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما بال أقوامٍ يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي ! وإن شفاعتي تنال صُداءً وحكم )) .

روى البزّار في (( مسنده )) من حديث هانئ بن أيوب الحضرمي ، حدَّثني عبد الله بن عباس رضي الله عنها قال:تُوفي ابن لصفيه عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت عليه وصاحت ، فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : (( يا عمة ! ما يُبكيك ؟ )) ، قالت : توفي ابني .

قال : (( يا عمة ، من توفي له ولدٌ في الإسلام وصبر ، بنى الله له بيتاً في الجنة )) ، فسكتت.

ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاستقبلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا صفية ! سمعتُ صراخك . إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لن تُغني عنك من الله شئاً ، فبكت .

فسمعها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وكان يكرمها ويُحبها ، فقال : (( يا عمة ! أتبكين وقد قلتُ لك ما قلت ؟ )) .

قالت : ليس ذلك أبكاني يا رسول الله ، استقبلني عمر بن الخطاب فقال : إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لن تُغني عنك من الله شيئاً .

قال : فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : (( يا بلال ، هجّر بالصلاة )) . فهجَّر بلالٌ بالصلاة ، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : (( ما بال أقوامٍ يزعمون أن قرابتي لا تنفع ! كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فإنها موصولة في الدينا والآخرة )) .

فقال عمر رضي الله عنه ،: فتزوجت أمَّ كلثوم بنت علي رضي الله عنهم ، لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ . أحببتُ أن يكون لي منه سببٌ ونسب .

ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرّت على ملاءٍ من قريش ، فإذا هم يتفاخرون ويذكرون الجاهلية .

فقالت : منّا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن الشجرة لتنبت في الكبا .

قال : فمرّت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته . فقال : (( يا بلال ، هجّر بالصلاة )) فحمد الله وأثنة عليه ، ثم قال :

(( أيها الناس ! من أنا ؟ )) ، قالوا : أنت رسول الله . قال : (( انسبوني )) .

قالوا : أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب .

قال : (( أجل ، أنا محمد بن عبد الله ، وأنا رسول الله . فما بال أقوام يبتذلون أصلي ! فوالله لأنا أفضلهم أصلاً ، وخيرهم موضعاً )) .

قال : فلما سمعت الأنصار بذلك ، قالوا : قوموا فخذوا السلاح ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُغضب .

قال : فأخذوا السلاح ، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم لا يُرى منهم إلا الحدق ، حتى أحاطوا بالناس ، فجعلوهم في مثل الحرّة ، حتى تضايقت بهم أبواب المسجد والسكَكُ ، ثم قاموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقالوا : يا رسول الله ، لا تأمرُنا بأحدٍ ، إلا أَبَرْنا عِتْرتَهُ .

فلما رأى النَّفر من قريش ذلك ، قاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذروا وتنَصَلوا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الناس دثار ، والأنصار شعار )) . فأثنى عليهم ، وقال خيراً .

قال البزَّار : لا نعْلمُهُ بهذا اللفظ ، إلا بهذا الإسناد .

قلتُ : وفيه غير واحد من الضعفاء ،شيخه إبراهيم ، وأبوه إسماعيل ، وجده يحيى بن سلمة بن كُهيل ، وهو أشدُّهُم ضعفاً .

قال العجلي : إنه يغلو في التشيُّع .

وقد وقع لي في جزء أحمد بن عثمان بن يحيى الأدمي ، قال : حدَّثنا ابن أبي العوام ، حدثنا أبي ، حدّثنا أبي ، حدثنا إسماعيل بن يحيى به ، لكنه قال : عن هانئ بن ثُبيت ، فيُحرّر .

وعزاه المحب الطبري لأبي علي بن شاذان ، وما رأيته في (( مشيخته )) فينظر غيرهما من حديثه .

وقوله : (( هجِّر )) أي بَكِّر بالصلاة أول وقتها ، (( والكِبا )) : بالكسر والقصر – جمع أكباء : الكُناسة .

(( أَبَرْنا )) : - بموحدة – أي أهلكنا . فإن كانت همزته أصلية ، فهو من : أبرتُ الكلب : إذا أطعمته الأبَرَة في الخبز . وإن كانت زائدة ، فهو من البوار .

ولأبي جعفر محمد بن عمرو بن البختري في (( المجلس الأول )) من جزءٍ فيه أحد عشر مجلساً من (( أماليه )) من حديث عبد الله بن محمد – هو ابن عقيل بن أبي طالب الهاشمي - ، حدثنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمٌ تخدُمُهم يقال لها : بَريرة ، فلقيها رجلٌ فقال : يا بريرة ، غطِّي شُعيفاتِك ، فإن محمداً لن يغني عنك من الله شيئاً .

قال : فأخبرتُ النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرج يجرُّ رداءه مُحمَّرةٌ وجنتاه ، وكُنَّا معشر الأنصار نعرف غضَبهُ بجر ردائه وحُمرة وجنتيه ، فأخذنا السلاح ، ثم أتيناهُ فقلنا :يا رسول الله ، مُرنا بما شئت ، والذي بعثك بالحق نبياً ، لو أمرتنا بأمهاتنا وآبائنا وأولادنا ، لمضينا لقولك فيهم ، ثم صعد صلى الله عليه وسلم المنبر فحمد الله عز وجل وأثنى عليه . ثم قال :

(( من أنا )) ؟ ، فقلنا : أنت رسول الله . قال : (( نعم ، ولكن من أنا ؟ )) .

قلنا : محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف .

فقال : (( أنا سيّدُ ولد آدم ولا فخر ، وأوّل من تنشقُّ عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر ، وأول من ينفض التراب عن رأسه ولا فخر ، وأول داخل الجنة ولا فخر ، وصاحب لواء الحمْد ولا فخر ، وفي ظلِّ الرحمن عزَّ وجل يوم القيامة ، يوم لا ظلَّ إلا ظلّهُ ولا فخر . ما بال أقوام يزعمون أنّ رحمي لا تنفع . بلى تنفع ، حتى تبلغَ حاءً وحكم ، إنّي لأشفعُ فأُشفّع ، حتى أنَّ من أشْفع له ليشفعُ فيُشفّع ، حتّى إنَّ إبليس ليتطاول طمعاً في الشفاعة )) .

وعبد الله راويه صدوقٌ في نفسه ، إلا أنه مُنكرُ الحديث لسوء حفظه . بل هو من رواية عُبيد الله بن إسحاق العطار ، عن القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جدّه . والقاسم أيضاً والراوي عنه ضعيفان .

على أن الحاكم أخرج الحديث في (( الترجمة النبوية )) من (( مستدركه )) طرفاً منه من حديث العطار .

فقال : عن القاسم عن أبيه ، عن جده ، عن جابر رضي الله عنهما ، وقال : إنه صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وهو متعقّبٌ .

وقوله صلى الله عليه وسلم : (( حآءٌ وحكم )) ، فسره في الرواية : بأنهما قبيلتان من اليمن . ونحو قول غيره : هما حيَّان من اليمن .

(( وشُعيْفاتك )) – بالمعجمة ثم المهملة – تصغير شُعاف ، جمع شُعفة ، وهي الذُؤابة . فإما أن يكون الشعر نفسه ، أو كُنّي به عن الرأس .

وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : (( ما بال رجالٍ يقولون : إنَّ رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنفع قومهُ يوم القيامة ، بلى والله ، إن رحمي مَوصولةٌ في الدنيا والآخرة . وإني أيها الناس فرَطٌ لكم على الحوض )).

وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : (( ما بال رجالٍ يقولون : إنّ رحِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنفع قومهُ يوم القيامة ، بلى والله ، إن رحمي موصولةٌ في الدنيا والآخرة . وإني أيها الناس فرطٌ لكم على الحوض )).

رواه أحمد ، والحكم ، والحاكم في (( صحيحه )) ، والبيهقي من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن حمزة بن سعيد ، عن أبيه به .

وهذه الأحاديث لا تعارض ما روناه عن موسى بن طلحة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما أُنزلت هذه الآية : { وأنذر عشيرتك الأقربين } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً،فاجتمعوا فعمَّ وخصَّ .

فقال : (( يا بني كعب بن لؤي ، أنقذوا نفسكم من النار . يا بني مرّةَ بن كعب ، أنقذوا انفسكم من النار . يا بني عبد شمس ، أنقذوا أنفسكم من النار . يا بني عبد المطلب ، أنقذوا أنفسكم من النار . يا فاطمة ، أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً سأبُلُّها ببلالها )) .

أخرجه مسلم في (( صحيحه )) . واتفق الشيخان عليه من وجه آخر . فالبخاري : من حديث شعيب ، عن أبي الزّناد . ومسلم : من حديث عبد الله بن ذكوان ، كلاهما عن الأعرج . والبخاري : أيضاً من حديث شعيب .

ومسلم أيضاً : من حديث يونس كلاهما عن الزُّهري ، عن سعيد بن المسيِّب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، ثلاثتهم عن أبي هريرة رضي الله عنهم .

ومسلم أيضاً : من حديث وكيع ، ويونس بن بُكير ، كلامهما عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنهم ، كلهم بدون الاستثناء .

وله طرقٌ عدة في بعضها من الزيادة : (( يا عائشة بنت أبي بكر ، ويا حفصة بنت عمر ، وبا أمَّ سلمة ، ويا أمَّ الزبير عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اشتروا أنفسكم من النار )) .

فإنه صلى الله عليه وسلم لا يملك لأحدٍ من الله شيئاً ، ولا نفعاً ولا ضرّاً ، لكن الله عز وجل يُملِّكه نفع أقاربه وأمته بالشفاعة . ولهذا وقع الاستثناء في الرواية التي اقتصرت على سياق لفظها بقوله صلى الله عليه وسلم : (( غير أنَّ لكم رَحماً سأبُلُّها ببلاها )) .

وستأتي هذه الزيادة في الخاتمة من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أيضاً .

أو كان المقام مقام التخويف والتحذير ، فبالغ في الحثّ على العمل . وحينئذ فيكون في قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا أغني شيئاً )) إضمارٌ ، إلا إنْ أذن الله لي في الشفاعة .

وقيل : إن هذا كان قيل أن يعْلمهُ الله عز وجل بأن يَشْفع فيمن أراد ويقبل شفاعته ، حتى يُدخل قوماً الجنة بغير حساب ، ويرفع درجات آخرين ، ويُخرج من النار من دخلها بذنوبه .

واما ما رويناه في أواخر الحديث الرابع من (( اربعي الطائي )) من طريق الفضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لرجلٍ ممن يَغْلو فيهم : وَيْحكم ، أحبّونا لله .

قال : فقال له الرجل : إنكم ذو قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته .

فقال : ويحكم ، لو كان الله نافعاً بقرابةٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير عمل بطاعته ، لنفع بذلك من هو أقرب إليه منّا ، أباه وأمُّهُ . وإني أخافُ أن يُضاعفَ للعاصي منًّا العذاب ضعفين . والله إنّي لأرجو أن يؤتى المُحسن منّا أجره مرتين .

فهو لا يخدش في ذلك ، والله أعلم .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إنّما سميت ابنتي فاطمة ، لأن الله فطمها ومُحبِّيها عن النار )) . أسنده الديلمي .

ونحوه عن جابر ، وعن ابن أبي ليلى ، عن الحسين بن علي رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( الزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله عز وجل وهو يودُّنا ، دخل الجنَّة بشفاعتنا . والذي نفسي بيده ، لا ينفع عبداً عملُهُ إلا بمعرفته حقِّنا )) .

أخرجه الطبراني في (( الأوسط )) وسنده ضعيف .

وروى أبو الفرج الأصبهاني من طريق عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن أبان القرشي ، قال : دخل عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب على عمر بن عبد العزيز وهو حدَثُ السنِّ وله وفْرةٌ ، فرفع عمرُ مجلسه وأقبل عليه ، وقضى حوائجَهُ ، ثم أخذ عُكنةً من عُكًنهِ ، فغمزها حتى أوجعهُ ، وقال : اذكرها عندك للشفاعة .

فلما خرج لامهُ قومُهُ وقالوا : فعلتَ هذا بغلامٍ حدَثٍ !! .

فقال : إن الثقة حدثني حتى كأني أسمعُه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنما فاطمةُ بَضعَةٌ مني ، يسُرُّني ما يِسرُّها )) .

وأنا أعلم أن فاطمة رضي الله عنها لو كانت حيّةً ، لسرَّها ما فعلتُ بابنها .

قالوا : فما معنى غمزك بطنَهُ ، وقولك ما قلتَ ؟! .

قال : إنه ليس أحدٌ من بني هاشم إلا وله شفاعةٌ ، فرجوت أن أكون في شفاعة هذا .

وعن أبي رافع رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه : (( أنت وشيعتُكَ تردون عليَّ الحوض رُواءً مرويّين ، مبيَّضةً وجوهُكم . وإنَّ عدوَّك يردون عليَّ الحوض ظُماءً مُقبَّحين )) . أخرجه الطبراني في (( الكبير )) من حديث محمد بن عُبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه .

وسأتي في الباب الخامس حديثٌ لأبي رافع رضي الله عنه أيضاً فيه : (( وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا )) ومن حديث عليّ رضي الله عنه : (( إنَّ الله غفّر لشيعتك ولمُحبّي شيعتك )) .

والشيعة : الفرقة من الناس ، وقد غلب على كُلِّ من يتولّى علياً رضي الله عنه ، وأهل بيته رضوان الله عليهم ، حتى صار اسماً لهم خاصاً .

فإذا قيل : فُلانٌ من الشيعة ، عُرفَ أنه منهم ، وفي مذهب الشيعة كذا ، أي عندهم .

وعن أبي الحسن علي بن عبد الله ، عن عطاءٍ ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اللهم اغفر للعباس وولده ولمن أحبّهم )) .

أخرجه السّمرقندي في (( فضائل العباس )) ، وله شاهدٌ عند الطبراني من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه .

بل روى الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما الاستغفار للعباس ولولده دونَ ما بعدهُ ، ولفظهُ : (( اللهم اغفر للعباس ولولده مغفرة ظاهره وباطنه لا تغادرا ذنبا اللهم اخلفه في ولده )) وكذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالمغفرة للأنصار وأبنائهم وأبناء أبنائهم.وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم : لا يحبنا إلا مؤمن تقي و لا يبغضنا إلا منافق شقي.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من أحب الله أحب القرآن ، ومن أحبَّ القرآن أحبني ، ومن أحبَّني أحبَّ أصحابي )) .

أخرجه الديلمي في (( مسنده )) .

ولابن عديًّ في (( كامله )) عن أنس أيضاً رضي الله عنه رفعه : (( أحبّواأهلي وأحبّوا علياً ، من أبغض أحداً من أهل بيتي ، فقد حُرمَ شفاعتي )) .

وقال إنه موضوع ، وتبعه ابن الجوزي .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم قال : (( حب آل محمد يوماً ، خيرٌمن عبادة سنة )) . وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاوية نب أبي سفيان رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (حبي وحب أهل بيتي نافع في سبع مواطن أهوالهن عظيمه)) أوردهما الديلمي في الفردوس وتبعه ولده بلا إسناد؛وأحسبهما غير صحيحي الإسناد، وكذا الذي بعدهما. وفي (( الشفا )) بلا إسناد : أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( معرفة آل محمد صلى الله عليه وسلم ، براءةٌ من النار . وحبُّ آل محمد صلى الله عليه وسلم ، جوازٌ على الصراط . والولاية لآل محمد صلى الله عليه وسلم ، أمانٌ من العذاب )) .

وعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم : (( يردُ الحوضَ أهل بيتي ومن أحبَّهم من أمتي ، كهاتين السَّبابتين )) . ذكره المُحبُّ الطبري .

وعن زيد بن أرقم رضي الله مرفوعاً (( خمسٌ من أوتيهن لم يُغدر على ترك عمل الآخرة – حبُّ آل محمد صلى الله عليه وسلم )) . الديملي في (( مسنده )) من طريق أبي نعيم .وعن بعض العلماء مما في الشفاء أنه قال:معرفتهم_يعني آل محمد صلى الله عليه وسلم_:هي معرفة مكانهم من النبي صلى الله علية وسلم،وإذا عرفهم بذلك عرف وجوب حقّهم وحرمتهم بسببه وعن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه . أنا شجرةٌ ، وفاطمة حَمْلُها ، وعليٌّ لقاحُها ، والحسن والحسين ثَمرُها ، والمحبّون أهل البيت ورَقُها ، هم في الجنة حقاً حقاً )) . رواه الديلمي .في مسنده وكذا ابن الجوزي في الموضوعات .









.



وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفعه : (( يا علي !إن أهل شيعتنا يخرجون من قُبورهم يوم القيامة على ما بهم من الذنوب والعُيوب وجوهُهُم كالقمر ليلة البدر... )) . الحديث ؛وفيه كلامٌ أكثر من هذا ، وكله كذب . وقد أورده ابن الجوزي في (( الموضوعات )) .

وعن جرير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من مات على حبّ آل محمد صلى الله عليه وسلم مات شهيداً ، ألا ومن مات على حُبّ آل محمد صلى الله عليه وسلم مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمد صلى الله عليه وسلم مات تائباً ...)) .

وفيه : (( مات مؤمناً مستكمل الإيمان )) .

وفيه : (( بشره ملك الموتِ بالجنة ومُنكرٌ ونكير )) .

وفيه (( يزف إلى الجنة كما تزف العَروس إلى بيت زوجها )) .

وفيه : (( فُتح له في قبره بابان إلى الجنة )) .

وفيه : (( مات على السُّنة والجماعة )) .

وفيه : (( ومن مات على بُغض آل محمد صلى الله عليه وسلم ، جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه : آيسٌ من رحمة الله )) .

أخرجه الثعلبي في (( تفسيره )) .

قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن عليّ البلخي ، حدثنا يعقوب بن يوسف بن إسحاق ، حدثنا محمد بن أسلم ، حدثنا يعلى بن عُبيد ، عن إسماعيل ، عن قيس بن أبي حازم عنه .

ورجاله من محمد إلى مُنتهاه أثبات ، لكنَّ الآفة فيمن بين الثعلبي وبين محمد ، وآثارُ الوضع – كما قال شيخنا رحمهُ الله – عليه لائحة .

وعن الحسين بن عليٍّ رضي الله عنهما قال : (( من دمعت عيناه فينا دمعةً ، أو قطرت قطرةً ، آتاه الله عز وجل الجنة )) .

أخرجه أحمد في (( المناقب )) .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من أحبّنا بقلبه وأعاننا بيده ولسانه ، كنت أنا وهو في عليين . ومن أحبّنا بقلبه وأعاننا بلسانه وكفَّ يده ، فهو في الدرجة التي تليها ، ومن أحبّنا بقلبه وكف عنا لسانه ويده ، فهو في الدرجة التي تليها )) .

رواه نعيم بن حماد من طريق سفيان بن الليل ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه ، به . وابن الليل كان غالياً في الرَّفض ، بل في الطريق إليه السِّري بن إسماعيل ، أحد الهَلْكى .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خيركم ، خيركم لأهلي من بعدي )) .

رواه أبو يعلى ورجالُه ثقات ، لكن شذَّ راويه عن سائر رواته بقوله (( لأهلي )) ، فالكل إنما قالوا : (( لأهله )) . قاله أبو خثيمة راويه .

وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنّ الله عز وجل ثلاثُ حُرمات ، فمن حفظهُنَّ حفظ الله دينه ودُنياه ، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله دُنياه ولا آخرته )) .

قلتُ : وما هُنَّ ؟

قال : (( حرمةُ الإسلام ، وحرمتي ، وحرمة رحمي )) .

أخرجه الطبراني في (( الكبير )) و (( الأوسط )) ، وأبو الشيخ في (( الثواب )) .

وأورد المُحبُّ الطبري بلا إسناد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من حفظني في أهل بيتي ، فقد اتخذ عند الله عهداً )) .

وعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

(( من لم يعرف حقّ عترتي والأنصار والعرب ، فهو لإحدى ثلاث : إما منافقٌ ، وإما لزِنْيةٍ ، وإما امرؤٌ حملت به أمُّهُ في غير طُهرٍ )) .

أخرجه أبو الشيخ في (( الثواب )) ، ومن طريقه الديلمي في (( مسنده )) وكذا أخرجه البيهقي في (( الشعب )) ، وفي سنده زيد بن جُبير فقال : إنه غير قويٍّ في الرواية .

وعن عبيد الله بن حسين بن عليّ بن حسين بن عليّ ، عن أبيه ، عن جده ، عن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال : (( من والانا فلرسول الله صلى الله عليه وسلم والى ، ومن عادانا فلرسول الله صلى الله عليه وسلم عادى )) .

وعن أبي نزار الوليد بن عُقبة العِجْلي : سمعت عبد لله بن حسن بن حسن يقول : كفى بالمحب لنا أُنْسُبهُ إلى من يحبنا،وكفى بالمبغض لنا بغضا اِنسُبه إلى من يبغضنا )) .

وعن زيد بن عليّ بن الحسين ، عن أبيه قال : (( إنَّ الله تعالى أخذ ميثاق من يُحبنا وهم في أصلاب آبائهم ، فلا يقدرون على ترك ولايتنا ، لأن الله عز وجل جبَلهُم على ذلك )) .

وعن يحيى بن زيد قال : (( إنما شيعتنا من جاهد فينا ومنع مِنْ ظُلمنا ، حتى يأخُذَ الله عز وجل لنا بحقنا )) . روى هذه الآثار الأربعة الجِعابي .

وعز المُحبُّ الطبري لابن السّمَّان في (( الموافقة )) عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : (( قال عمر بن الخطاب للزبير بن العوام رضي الله عنهما : هل لك أن تعود الحسن بن علي رضي الله عنهما فإنه مريض ؟ وكأنّ الزبير تلكّأ عليه ، فقال له عمر رضي الله عنه : أما علمت أنّ عيادة بني هاشم فريضةٌ ، وزيارتهم نافلةٌ )) .

وفي رواية : (( إن عيادة بني هاشم سنّةٌ ، وزيارتهم نافلةٌ )) .

قوله (( تلكأ )) : يعني توقف وتبطّأ .

وعند الخطيب في (( الجامع )) بسند ضعيف من طريق عمرو بن مُرّة ، عن سالم بن أبي الجعد قال : (( قال عثمان بن عفان برضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُكرمُ بني هاشم )) . وسالمٌ لم يسمع من عثمان رضي الله عنه ، فهو منقطعٌ أيضاً .

وروينا أن نصر بن أحمد – صاحبَ خراسان – استأذنت عليه امرأةٌ علويةٌ ، فشكت من عامله على بلْخ . فكتب لها إليه ، وأنعم عليها بدراهم وثياب وغير ذلك ، ثم نام فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه يقول : (( حفظ الله حُرمتك كما حفظت حُرمتي )) .

فلما استيقظ أعلم حاجبه بذلك ، وأمرهُ بإحضار الفُقهاء وغيرهم . ثم كتب إلى سائر البُلدان يحضُّهم على الإحسان لآل الرسول صلى الله عليه وسلم .

وروينا في (( التذكرة )) للحُميدي من طريق أبي عمرو محمد بن أحمد العوام ، أن يحيى بن معاذ دخل على العلوي البلخي ببلخ ، فقال له العلوي : ما تقول فينا أهل البيت ؟

قال : ما أقول في َغرْس غُرس بماء الوحي ، وطينٍ عُجن بماء الرسالة . فهل يفوح منهما إلا مسكُ الهُدى وعنبر التُّقى .

فقال : أحسنت ، وأمر أن يُحشى فمُهُ دُرّاً .

قال : ثم زاره من غدِهِ ، فلما دخل العلوي على يحيى ، قال له يحيى : إن زرتنا فبفضلك ، وإن زرناك فلفضلك . فلك الفضلُ زائراً ومَزوراً .

باب مشروعية الصلاة عليهم تبعاً للمصطفى صلى الله عليه وسلم في الصلاة وغيرها مما يزيدهم فخراً وشرفاً



عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عُجرة رضي الله عنه فقال : ألا أُهدي لك هديةً سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم ؟

قلتُ : بلى ، قال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول اله ! كيف الصلاة عليكم أهل البيت ؟

قال صلى الله عليه وسلم : (( قولوا : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم إنَك حميدٌ مجيد . وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى أل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد )) .

أخرجه الحاكم في (( مستدركه )) وأشار إلى أنه إنما استدركه ، مع كونه في (( الصحيحين )) من هذا الوجه ، لإفادته أنّ أهل البيت هُم والآل سواءٌ .

وعن مُغيرة بن مِقْسم الضَّبي ، عن أبي مَعْشر زياد بن كُليب ، عن إبراهيم بن يزيد النَّخعي مُرسلاً ، أنّهم قالوا : يا رسول الله ! قد علمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك ؟

قال صلى الله عليه وسلم : قولوا : (( اللهم صلّ على محمدٍ عبدك ورسولك وأهل بيته ، كما صليت على إبراهيم إنَك حميدٌ مجيد . وبارك عليه وأهل بيته كما باركت على إبراهيم إنك حميدٌ مجيد )) . أخرجه إسماعيل القاضي .

وعن أبي حُميد السّاعدي رضي الله عنه : أنهم قالوا : يارسول الله ! كيف نُصلّي عليك ؟ .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قولوا : اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته ، كما صليت على آل إبراهيم . وبارك على محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت على إبراهيم إنك حميدٌ مجيد )) . متفقٌ عليه .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلّى علينا أهل البيت ، فليقل : اللهم صلّ على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته ، كما صليت على إبراهيم إنَك حميدٌ مجيد )) .

أخرجه أبو داود ، ورواه غيرهُ ، فجعله من مُسند أبي مسعود رضي الله عنه .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلّى علينا أهل البيت ، فليقل :

اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته ، كما صليت على آل إبراهيم إنَك حميدٌ مجيد )) .

رواه النسائي في (( مسند عليٍّ )) وابن عدي في (( كامله )) . وسنده ضعيف .

وعن الحسن البصري رحمه الله أنه قال : من أراد أن يشرب بالكأس الأوفى من حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فليقل : (( اللهم صلّ على محمد على آله وأصحابه وأولاده وأزواجه وذريته وأهل بيته ، وأصهاره وأنصاره ، وأشياعه ومُحبيه وأمته ، وعلينا معهم أجمعين يا أرحم الراحمين )) . ذكره عياض في (( الشفا )) .

وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جمع فاطمة وعلياً والحسن والحسين رضي الله عنهم تحت ثوبه :

(( اللهم قد جعلت صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك على إبراهيم وآل إبراهيم إنَّهم منّي وأنا منهم ، فاجعل صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليَّ وعليهم )) .

قال واثلة : وكُنتُ واقفاً على الباب ، فقلتُ وعليَّ يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي .

فقال : (( اللهم وعلى واثلة )) .

أخرجه الديلمي في (( مسنده )) بسندٍ ضعيف .

وعند ابن جرير في (( تفسيره )) بعضُه ، وهو : أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل علياً وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم تحت كسائه وقال : { إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } الآية .

قال واثلةٌ : فقلتُ : يا رسول الله ، وأنا من أهلك صلى الله عليك ؟ ، قال : (( وأنت من أهلي )) .

قال : فوالله لإنّها أوثقُ عملٍ عندي . وهو ضعيف أيضاً .

وعن أبي مسعود الأنصاري البدريِّ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من صلّى صلاةً لم يُصلِّ عليَّ فيها وعلى أهل بيتي ، لم تُقبل منه )) . أخرجه الدارقطني

والبيهقي .

وهو عندهما أيضاً موقوفٌ من قول أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال : (( لو صليتُ صلاةً لا أُصلي فيها على آل محمدٍ ، ما رأيتُ أن صلاتي تمً)) .

وهما ضعيفان ، وصوَّب الدارقطني أنه من قول أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين . وكذا جاء عن جابر رضي الله عنه أنه كان يقول : (( لو صليت صلاةً لم أُصلّ فيها على مُحمّد صلى الله عليه وسلم وعلى آل محمد صلى الله عليه وسلم ، ما رأيتُ أنها تُقبل )) .

وهو حجَّةُ القائل :

يا أهل بيت رسول الله حبُّكمُ فرضٌ من الله في القرآن أنزلهُ

كفاكموا من عظيمِ القدر أنكمُ من لم يُصلِّ عليكم لا صلاةَ لهُ



وعن معاوية بن عمار ، عن جعفر بن محمد بن علي بن حسين قال : (( من صلى على محمّدٍ صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيته مئة مرة ، قضى الله له مئة حاجة )) .

أخرجه وعزاه الديلمي في (( الفردوس )) بلا إسناد لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ : (( من صلى الله عليه وسلم على محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعلى آل محمد مئة مرة ، قضى الله له مئة حاجة )) .

وفي الباب أحاديث كثيرةٌ أوردتُها مع بيان حُكم المسألة في كتابي (( القول البديع ))

ونحوه ما يروى – كما عند الديلمي – عن سعيد بن حُذيفة : (( اللهم كما أولجت الليل في النهار ، والنهار في الليل ، أولجْ عليَّ وعلى أهلي بيتي الرَّحِمة ، ولا تقطعها عني ولا عنهم

أبداً )) .

قاله صلى الله عليه وسلم إذ خرج من الليل .

باب دعائه صلى الله عليه وسلم بالبركة في هذا النسل الكريم



عن عبد الكريم بن سليط البصري ، عن ابن بُريدة – هو عبد الله – عن أبيه رضي الله عنه : أن نفراً من الأنصار قالوا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : لو كانت عندك فاطمة ، فدخل رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم – يعني لِيخطبها – فسلّم عليه ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( ما حاجة ابن أبي طالب ؟ )) ، قال : ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال صلى الله عليه وسلم : (( مرحباً وأهلاً )) . ولم يزدهُ عليها .

فخرج إلى الرَّهط من الأنصار ينتظرونه ، فقالوا : ما وراءك ؟ ، قال ما أدري ، غير أنه قال لي : (( مرحباً وأهلاً )) .

قالوا : يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدُهما ، قد أعطاك الأهل وأعطاك الرحْب . فلما كان بعدَ ذلك بعد ما زوّجهُ ، قال صلى الله عليه وسلم : (( يا عليٌّ ، إنّه لابُدّ للعُرس من وليمة )) .

قال سعد رضي الله عنه : عندي كبشٌ ، وجمع لهُ رهطٌ من الأنصار آصعاً من ذُرة .

فلما كان ليلة البناء ، قال صلى الله عليه وسلم : (( يا عليُّ ، لا تُحدث شيئاً حتى تلقاني )) فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماءٍ فتوضأ منه ، ثم أفرغه على عليٍّ وفاطمة رضي الله عنهما

فقال :

(( اللهم بارك فيهما ، وبارك عليهما ، وبارك لهما في نسْلهما )) .

رواه النسائي في (( عمل اليوم والليلة )) ، وكذا رواه الرُّوياني في (( مسنده )) من هذا الوجه .

ولفظُهُ أيضاً : (( وبارك لهما في نسلهما )) .

وأخرجه سمُّويَه في (( فوائده )) من هذاالوجه ، لكنه بلفظ : (( اللهم بارك لهما في شملهما )) ولم يقل : (( اللهم بارك فيهما وبارك عليهما )) .

ورويناه في (( الذرية الطاهرة )) للدُّولابي ، ولفظُهُ : (( اللهم بارك فيهما ، وبارك عليهما ، وبارك لهما في شملهما )) .

وقال الحافظ ابن ناصر راوي الكتاب : صوابه : (( نسلِهما )) . انتهى .

وباللفظين أوردهُ الضِّياءُ في (( المُختارة )) ، والحديث عند أحمد ، وأبي يعلى في

(( مُسندهما )) من هذا الوجه أيضاً مُقتصرين على بعضه ، مما ليس فيه محلُّ الاستشهاد ، والله أعلم .

باب بشارتهم بالجنة ورفع منزلتهم بالوقوف عند ما أوجبه الشارع وسنه



تقدمت في الباب الثاني عدة أحاديث في التّنصيص على دُخُولهم في شفاعته وغضبه صلى الله عليه وسلم ، حيث قيل : إنهم لا ينتفعون بقرابته .

وعن أبي الزناد ، عن زيد بن علي في قوله عز وجل : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } .

قال : (( من رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يدخل أهلُ بيته الجنة )) رواه الجعابي .

وعن عاصم بن أبي النَّجود ، عن زرَّ بن حبيش ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ فاطمة حصّنت فرجها ، ، فحرَّم الله ذريتها على

النار )) .

أخرجه تمّام في (( فوائده )) ، والبزار في (( مسنده )) .

والطبراني في (( الكبير )) بلفظ : (( فحرَّمها الله وذريتها على النار )) .

وابن شاهين في (( مُسند الزهراء )) من حديثه باللفظين .

وكذا هو عنده من وجهٍ آخر عن عاصم ، لكنه قال : عن زرّ ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنّ فاطمة أحصنت فرجها ، فحرّمها الله وذريتها على النار )) .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حسد الناس . فقال لي : (( أما ترضى أن تكون رابع أربعةٍ أول من يدخل الجنَّة ، أنا وأنت والحسن والحسين رضي الله عنه الله عنهم ، وأزواجنا عن أيْماننا وشمائلنا ، وذريتنا خلف أزواجنا )) .

أخرجه الثعلبي بسندٍ في الكُديمي ، وهو ضعيف .

وهو عند الطبراني في (( الكبير )) من حديث أبي رافع رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه : (( إنّ أول أربعة يدخلون الجنة ، أنا وأنت ، والحسن والحسين ، وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا . وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا )) . وسنده ضعيف جداً .

ولابن السّري والديلمي في (( مسنده )) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال روسول الله صلى الله عليه وسلم : (( نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة ، أنا وحمزة وعلي وجعفر بن أبي طالب ، والحسن والحسين والمهدي )) .

وعن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( وعدني ربي في أهل بيتي من أقرّ منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ ، أن لا يعذبهم )) .

رواه الحاكم . وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .

وعن عبد الرحمن بن الغسيل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها : (( إنَّ الله غير مُعَذِّبك ، ولا ولدك )) .

أخرجه الطبراني في الكبير )) ورجاله ثقات .

وهو عند السمرقندي وغيره من هذا الوجه ، لكن في العباس رضي الله عنه الله عنه ولفظه : (( يا عباس ، إنَّ الله غَيْرُ معذبك ولا أحدٌ من وَلدِك )) .

وأخرجه الطبراني من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( يا عم ، سترك الله وذريتك من النار )) .

وعن عمران بن حُصين رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سألت ربي أن لا يدخل النار أحداً من أهل بيتي ، فأعطاني ذلك )) .

ذكره المحبُّ الطبري ، ومن قبْله الديلمي وولدُهُ بلا إسناد .

وكذا عند المحب أيضاً عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم إنهم عِتْرةُ رسولك ، فهب مُسيئَهم لمُحسنهم ، وهبْهُم لي . ففعل وهو فاعلٌ )) .

قال : قلت : وما فعل ؟ ، قال صلى الله عليه وسلم : (( فَعَلهُ ربُّكم بِكُم ، ويفعله بمن بعدكم )) .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال له: (( يا علي ، إنَّ الله قد غفر لك ولذريتك ولولدك ولأهلك ، ولشيعتك ولمُحبّي شيعتك . فأبشر ، فإنَّك الأنْزَعُ البَطين )) .

أخرجه الديلمي في (( مسنده )) من حديث داود بن سليمان بن يوسف ، عن عليٍّ بن موسى ، عن أبيه موسى ، عن أبيه جعفر ، عن أبيه محممد ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولا يصحُّ .

وقد سبق في الباب الثاني ، عن أبي رافع رضي الله عنه أنه قال : (( يا علي ، أنت وشيعتك تردون عليَّ الحوض رُواءً )) الحديث .

ولأحمد في (( المناقب )) عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا معشر بني هاشم ، والذي بعثني بالحقّ نبياً ، لو أخذت بحلقة الجننة ، ما بدأتُ إلا بكم )) .

وعن سفيان بن الليل ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( أول من يرد عليَّ الحوض ، أهل بيتي ومن أحبني من أمتي )) أخرجه الطبراني في (( الأوائل )) .

ومن طريقه الديلمي في (( مسنده )) من طريق السِّري بن إٍسماعيل أحدُ الهلكى ، وسفيان هذا كان غالياً في الرفض .

ومع هذا ، فقد جمع الطبراني بينه وبين حديث :

(( أول الناس يرد علي الحوض ، فقراء المهاجرين الشُّعث رؤوساً )) . الحديث بقوله : بعد هذه الطبقة – أي المذكورة في الحديث الأول – مع صحة هذا ، وضعف ذاك .

وكذا ورد في أول من يرد عليه الحوض غير هذين ، وهم المُتحابون في الله . وأصحّهما ، حديث الفقراء .

وعن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي ، ثم الأقرب فالأقرب من قريش ، ثم الأنصار ، ثم من آمن بي واتّبعني من اليمن ، ثم من سائر العرب ، ثم الأعاجم ، وأوّل من أشفع له أولاً ، أفضل )) .



أخرجه أبو طاهر المُخلّص في (( السادس )) من حديثه ،و الطبراني وغيرهما ، كالدارقطنيّ في أول الرابع من (( أفراده )) .

وعند الطبراني ، والبزار ، وابن شاهين ، وغيرهم من حديث عبد الملك بن عباد بن جعفر ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :

(( إنّ أول من أشفع له من أمّتي ، أهل المدينة ، ثم أهل مكة ، ثم أهل الطائف )) .

باب الأمان ببقائهم والنّجاة في اقتفائهم



عن إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( النّجوم أمانٌ لأهل السماء ، وأهْلُ بيتي أمانٌ لأُمّتي )) .

أخرجه مسدد ، وابن ابي شيبة ، وأبو يعلى في (( مسانيدهم )) ، والطبراني ، كُلُّهم بسندٍ ضعيف .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( النجوم أمانٌ لأهل السماء ، فإذا ذهب النُّجوم ذهب أهل السماء . وأهلُ بيتي أمانٌ لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهلُ بيتي ذهب أهلُ الأرض )) .

أخرجه أحمد في (( المناقب )) ، وذكره الديلمي وابنه معاً بلا إسناد .

وعن قتادة ، عن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( النجوم أمانٌ لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمانٌ من الاختلاف . فإذا خلفتها قبيلةٌ من العرب ، اختلفوا فصاروا حزب إبليس )) .

أخرجه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ، ولم يُخرجاه .

وعن أبي إسحاق السَّبيعي ، عن حنش بن المُعتمر الصنعاني ، عن أبي ذرّ رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( مثلُ أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، ومثلُ حطّةٍ لبني إسرائيل )) .

أخرجه الحاكم من وجهين عن أبي إسحاق ، هذا الفظ أحدهما .

ولفظ الآخر : (( مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح )) وذكره دون قوله : (( مثل حِطَّةٍ )) إلى آخره .

وكذا هو عند أبي يعلى في (( مسنده )) .

وأخرجه الطبراني في معجمه (( الأوسط )) و(( الصغير )) من طريق الأعمش ، عن أبي إسحاق وقال : إنّ عبد الله بن عبد القدّوس ، تفرّد به عن الأعمش .

ورواه في (( الأوسط )) أيضاً من طريق الحسن بن عمرو الفُقيمي ، عن أبي إسحاق ، ومن طريق سِماك بن حرب ، عن حنش .

وأخرجه أبو يعلى أيضاً من حديث أبي الطُّفيل ، عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه بلفظ :

(( إنّ مثلَ أهل بيتي فيكم مثلُ سفينة نوح ، من ركب فيها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق . وإنَّ مثل أهل بيتي فيكم مثلُ باب حطَّةٍ )) .

وأخرجه البزار من طريق سعيد بن المسيّب ، عن أبي ذر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مثل أهل بيتي مثلُ سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق )) .

أخرجه الطبراني ، وأبو نعيم في (( الحلية )) ، والبزار وغيرهم .

وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مثل أهل بيتي مقل سفينة نوح ، من ركبها سلم ، ومن تركها غرق )) رواه البزار .

وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه الله عنه : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إنما مثلُ أهل بيتي فيكم كمثل سيفنة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق . وإنما مثلُ أهلي بيتي فيكم ، مثلُ باب حطّةٍ في إسرائيل ، من دخله غُفر له )) .

رواه الطبراني في (( الصغير )) و(( الأوسط )) ، وبعض هذه الطرق يُقَّوي بعضاً .

وعن يحيى بن الحسين بن علي بن الحسين ، عن أبيه عن جده ، عن الحُسين رضي الله عنه الله عنه قال : (( من أطاع الله مِنْ ولدي واتّبع كتاب الله ، وجبت طاعتُهُ )) .

وعن موسى بن علي بن الحسين بن علي – وكان فاضلاً عن أبيه ، عن جده ، قال : (( إنما شيعتنا من أطاع الله ، وعمل مثل أعمالنا )) . أخرجهما الجعابي في (( الطالبيين )) .

ولأبي سعد في (( شرف النبوة )) مما عزاه إليه المحب الطبري بلا إسناد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة ، وأغصانها في الدنيا . فمن تمسك بنا ، اتخذ إلى ربه سبيلاً )) .

وأورده المحب الطبري أيضاً بلا إٍناد أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( في كل خلّفٍ من أمتي عُدولٌ من أهل بيتي ، يَنْفون عن هذا الدين تخريف الغالين ، وانتحال المُبطلين ، وتأويل الجاهلين . ألا وإنّ أئمتكم وفدكم إلى الله عز وجل ، فانظروا بمن توفدون )) .

وأشهر من هذا في هذا المعنى حديث : (( يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عُدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين )) .

وهو مُتمَسَّكُ ابن عبد البر ومن وافقه في الذهاب إلى أن كُلَّ من حمل العلم ، ولم يُتكلم فيه بجرح وغيره ، فهو عدْلٌ ، على ما تقرر في محله .

قال محمد بن السائب الكلبي – وهو كذابٌ - : مرضت فنُسيت ما كنت أحفظه ، فأتيت آل محمد صلى الله عليه وسلم فتفلوا في فيَّ ، فحفظتُ ما كنت نُسيتهُ .

باب خصوصياتهم الدالة على مزيد كراماتهم



عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( كلُّ سبب ونسب ينقطع يوم القيامة ، إلا سببي ونسبي . وكلُّ ولدِ أمٍّ فإنّ عصَبَتَهم لأبيهم ، ما خلا ولدَ فاطمة ، فإنّي أنا أبوهم وعصبَتُهُم )) .

أخرجه أبو صالح المؤذّن في (( الأربعين له في فضل الزهراء )) من طريق شريك القاضي ، عن شبيب بن غرقدة ، عن المستظل بن حُصين ، عن عمر رضي الله عنه ، به .

وكذا هو في ترجمة عمر رضي الله عنه من (( معرفة الصحابة )) لأبي نُعيم ، من طريق بشر بن مهران ، حدثنا شريك به .

ولفظُهُ : (( أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب إلى علي رضي الله عنه ابنته أمُّ كلثوم ، فاعتلَّ عليه بصِغرها .

فقال : إني لم أُرِد الباءة لكني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( كلُّ سببٍ ونسبٍ منقطع يوم القيامة ، ما خلا سببي ونسبي . وكلُّ ولد أبٍ فإنَّ عصَبَتهم ... )) وذكرهُ .

وأخرجه الطبراني في ترجمة الحسن من معجمه (( الكبير )) من طريق بشر مقتصراً منه على قوله صلى الله عليه وسلم : (( كلُّ بني أنثى فإنَّ عَصَبتهم )) وذكر باقيه مثله ، ورجاله موثوقون . وشريك استشهد به البخاري ، وروى له مسلم في المُتابعات .

وهو بدون : (( كلُّ ولد أمٍّ )) إلى آخره عند الطبراني في (( الأوسط )) من حديث ابن عُيينة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر رضي الله عنه أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول للناس حين تزوَّج ابنةَ عليًّ رضي الله عنه الله عنهما :

ألا تهنئوني ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ينقطعُ يوم القيامة كلُّ سببٍ ونسب ، إلا سببي ونسبي )) .

وقال الطبراني بَعْدَهُ : لم يُجوِّدهُ عن ابن عُيينة ، إلا الحسن بن سهل الخيّاط . وقد رواهُ غيره عن ابن عيينة ، فلم يذكر جابراً رضي الله عنه .

وكذا رواهُ البيهقي من طريق وهيب بن خالد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن عمر ، خطب أمَّ كُلثوم إلى عليٍّ رضي الله عنه الله عنهما ، فذكر القصة .

إلى أن قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( كلُّ سببٍ ونسبٍ منقطعٌ يوم القيامة ، إلا ما كان من سببي ونسبي )) .

ورواه أيضا ًمن طريق ابن أبي مُليكة ، عن الحسن بن الحسن ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه :... فأحببتُ أن يكون لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم سببٌ ونسب .

فقال عليٌّ للحسن والحسين رضي الله عنهم : زوِّجا عمَّكما .

فقالا : هي امرأةٌ من النساء تختارُ لنفسها .

فقام عليٌّ رضي الله عنه مُغضباً ، فأمسك الحُسين رضي الله عنه بثوبه ، وقال : لا صبر لي على هجرانك يا أبتاه . فزوّجاهُ .

ورواهُ الطبراني في (( الكبير )) من حديث أسلم مولى عمر رضي الله عنه ، قال : (( دعا عمر بن الخطاب عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنهما فسارَّهُ ، ثم قام عليٌّ فجاء الصُّفَّة ، فوجد العباس وعقيلاً والحسين رضي الله عنهم – وذكر القصة - .

وفيها : أنّ علياً رضي الله عنه قال : أخبرني عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... .. )) وذكرهُ .

ومن طريق أسلم رويناه في (( الذرية الطاهرة )) للدولابي ، وكذا هو فيها من حديث واقد بن محمد بن عبد الله بن عمر ، عن بعض أهله .

قال : خطب عمر إلى علي رضي الله عنهما ابنته أم كلثوم وأمُّها فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه الله عنها ، فقال له عليٌّ : إنّ عليَّ فيها أمراء ، حتى أستأذنهم .

فأتى ولد فاطمة رضي الله عنهم ، فذكر ذلك لهم ، فقالوا : زوّجهُ ، فدعا أمّ كُلثوم وهي يومئذٍ صبية .

فقال : انطلقي إلى أمير المؤمنين فقولي له : إنّ أبي يُقرئُك السلام ، ويقول لك : إنّا قد قضينا حاجتَك التي طلبت .

فأخذها عمر رضي الله عنه فضمّها إليه ، وقال : إنّي خطبتها إلى أبيها ، فزوجنيها .

فقيل : يا أمير المؤمنين ! ما كنت تريد إليها صبيةٌ صغيرة ؟

فقال : إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( كلّ سبب منقطعٌ يوم القيامة ، إلا سببي )) . فأردتُ أن يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبُ صهرٍ .

قال البيهقي رحمه الله . ورواه ابن إسحاق ، عن أبي جعفر ، عن أبيه علي بن الحسين ، وروى عقبة بن عامر ، عن عمر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم – يعني مثلهُ - .

ورويناه في (( فوائد تمّام )) من حديث الثوري عن خالد بن سعد بن عُبيدة ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنه الله عنهما قال : قال عمر رضي الله عنه الله عنه – وخطب أم كلثوم إلى عليٍّ – رضي الله عنهما : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( كلّ نسب وصهر منقطع ، إلا نسبي وصهري )) .

وعن فاطمة ابنة الحُسين ، عن جدتها فاطمة الكبرى رضي الله عنه الله عنهما قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كلّ بني أم ينتمون إلى عصبة إلا ولد فاطمة ، فأنا وليّهم وعصبتهم )) .

أخرجه الطبراني في (( الكبير )) من طريق عثمان بن أبي شيبة ، عن جرير ، عن شيبة بن نعامة ، عن فاطمة ابنة الحسين ، بهذا .

وكذا أخرجه أبو يعلى ، ومن طريقه الديلمي في (( مسنده )) عن عثمان بن أبي شيبة بلفظ : (( لكل بني أم عصبةٌ ينتمون إيه إلا ولدَ فاطمة ، فأنا وليُّهما وعصابتهما )) .

ومن طريق حُسين الأشقر ، عن جرير بنحوه . ولكن شيبة ضعيف ، ورواية فاطمة عن جدتها رضي الله عنهما مرسلة .

وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب )) .

أخرجه الطبراني في ترجمة الحسين من (( الكبير )) أيضاً ، من طريق يحيى بن العلاء الرازي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر رضي الله عنه الله عنه .

وأخرجه أبو المجيد الحاكمي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا دخل عليٌّ رضي الله عنه الله عنه فسلم ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم السلام ، وقام وعانقه وقبَل بين عينيه ، وأجلسه عن يمينه . فقال العباس : يا رسول الله أتُحبُه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (( يا عم ، والله للهُ أشدُّ حباً له مني . إن الله جعل ذرّية كل نبي في صُلُبه وجعل ذريتي في صُلب هذا )) .

وبعضها يُقوّي بعضاً . وقول ابن الجوزي وقد أورده في (( العلل المتناهية )) : إنه لا يصح ، ليس بجيد .

وفيه دليلٌ لاختصاصه صلى الله عليه وسلم بانتساب أولاد ابنته إليه ، ولهذا قال في (( الروضة )) تبعاً لأصلها في الخصائص : (( وأولاد بناته ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم ، وأولاد بنات غيره لا يُنسبون إلى جدّهم ، في الكفاءة وغيرها )) .

زاد في (( الروضة )) : كذا قاله صاحب (( التلخيص )) ، وأنكره القفال وقال : لا اختصاص في انتساب أولاد البنات .

وأيّدهُ في (( الخادم )) : بأنه ظاهرُ كلام ابن حبان في (( صحيحه )) ، فإنه ثم ذكر حديث : (( بيننا النبي صلى الله عليه وسلم يخطُبُ ، إذ أقبل الحسن والخسين رضي الله عنه الله عنهما وعليهما قميصان أحمران يقومان ويعثران . فنزل إليهما فأخذهما وقال { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } . انتهى .

وفي (( صحيح البخاري )) عن أبي بكرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله يقول على المنبر والحسن رضي الله عنه إلى جنبه ينظرُ إلى الناس مرةً وإليهما مرةً ، ويقول : (( ابني هذا سيدٌ ، ولعل الله أن يُصلح به بين فئتين من المسلمين )) .

قال البيهقي رحمه الله : وقد سمّاه النبي صلى الله عليه وسلم ابنه حين ولد ، وسمى أخويه بذلك حين ولدا . فقال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : (( ما سميت ابني ؟ )) . ثم ساقه من حديث هانئ بن هانئ ، عن علي رضي الله عنه .

وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إني سميت بنيّ هؤلاء ، بتسمية بني هارون... )) الحديث .

وكذا في حديث قابوس بن المُخارق الشيباني ، عن أبيه ، قال جاءت أمُّ الفضل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني رأيت بعض جسمك فيَّ ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( نعم . ما رأيت تلدُ فاطمة غلاماً وتُرضعيه بلبن قُثم )) .

قالت : فجاءت به ، فحملهُ النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره ، فبال ، فلطمته بيدها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أوجعت ابني )) . الحديث .

وقد سلك البيهقي نحواً مما سلكهُ ابن حبان رحمهما الله ، حيث قال في الوقف (( باب من يتناوله اسم الولد )) ، ثم ذكر فيه أنّهُ عليه الصلاة والسلام سمّى أولاد عليّ رضي الله عنه الله عنهم باسم الابن ، وأنه عليه الصلاة والسلام أخذ الحسن والحُسين رضي الله عنه الله عنهما وتلا : { إنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ } .

وظاهرهُ المشي على عدم الخصوصية ، كما نقله النووي عن القفال . والحديث المذكور أولاً ، يُخالفُهُ .

وأما حديث : (( كلُّ نسبٍ )) فقد ترجم عليه البيهقي رحمه الله :

وللحديث الماضي في ذلك طرقٌ منها : عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله قال : (( كلُّ سببٍ ونسبٍ منقطعٌ يوم القيامة ، إلا سببي ونسبي )) .

رواه الطبراني في (( الكبير )) .

وعن أم بكر ، عن أبيها المسور بن مخرمة رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( تنقطع الأسباب والأنساب والأصهار ، إلا صهري )) .

أخرجه الطبراني وكذا البيهقي بلفظ : (( ينقطع كل نسبٍ إلا نسبي وسببي وصهري )) .

وساقه أيضاً من طريق أمّ أبي بكرٍ ابنةُ المسور ، عن عُبيد الله بن أبي رافع ، عن المسور رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( فاطمةُ بضعةٌ مني ، يقبضُني ما قبضها ، ويبسطني يا بسطَها . وإنَّ الأنساب يوم القيامة تنقطع ، غير نسبي وسببي وصِهري )) .

وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضاً ، أشار إليه البيهقي رحمه الله تعالى .

وعن محمد بن زياد : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال : أخذ الحسنُ بن عليٍّ رضي الله عنه الله عنه تمرةً من تمر الصدقة ، فجعلها في فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( كخ كخ )) ليطرحها . ثم قال : (( أما شعرت أنّا لا نأكل صدقةً )) . متفقٌ عليه .

وفي لفظ لمسلم : (( إنّا لا تحلُّ لنا الصدقة )) .

ولأحمد من حديث معمر ، عن محمد بن زياد : (( إنَّ الصدقة لا تحل لآل محمد )) .

وكذا عند أحمد والطحاوي من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فمرّ علي جرين من تمر الصدقة ، فأخذتُ منهُ تمرةً فألقيتها في فيَّ . فأخذها بلعابها فقال : (( إنّا آلُ محمد لا تحلُّ لنا الصدقة )) . وإسنادهُ قوي ، وهو عند الطبراني والطحاوي من حديث أبي ليلى الأنصاري رضي الله عنه الله عنه نحوه .

ولابن أبي شيبة والخلال من حديث ابن أبي مُليكة ، عن عائشة رضي الله عنها قال : (( إنا آل محمد ، لا تحلُّ لنا الصدقة )) . وسندهُ حسن .

وعند أصحاب السنن وصححه منهم الترمذي ، وكذا ابن حبان وغيره ، عن أبي رافع رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنّا لا تحل لنا الصدقة ، وإنَّ مولى القوم من

أنفسهم )) .

ورواه الطبراني في (( الكبير )) من حديث الحكم عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : استعمل النبي صلى الله عليه وسلم أرقم بن أبي الأرقم الزّهري على السعاية ، فاستتبع أبا رافع رضي الله عنه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : (( يا أبا رافع ، إنّ الصدقة حرامٌ على محمد وعلى آل محمد ، وإنّ مولى القوم من أنفسهم )) .

وقد تقدم حُكم الصدقة في (( الباب الأول )) .

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( المهديُّ من عترتي ، من ولد فاطمة )) رضي الله عنها .

أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ، والبيهقي وآخرون .

وفي لفظٍ لابن المنادي في (( الملاحم )) عنها قالت : ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم المهدي فقال : (( نعم ، هو حقٌّ ، وهو من ولد فاطمة )) رضي الله عنها .

وله من حديث قتادة رضي الله عنه قال : قلتُ لسعيد بن المُسيب : أحقٌّ المهدي ؟ قال : نعم ، هو حقٌّ . قلتُ : ممن هو ؟ قال : من قريش . قلتُ : من أيّ قريش ؟ قال : من بني هاشم .

قلتُ : من أي بني هاشم ؟ قال : من ولد عبد المطلب . قلتُ : من أي ولد عبد المطلب ؟ قال : من أولاد فاطمة ؟ قالت من أي ولد فاطمة قال : حسبك الآن .

وعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لو لم يبقَ من الدهر إلا يوم ، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً )) . رواه أبو داود ولأحمد وابن ماجة وغيرهما ، عن علي رضي الله عنه الله عنه رفعه : (( المهدي



منا أهل البيت ، يصلحهُ الله في ليلة )) .

وللطبراني عنه أيضاً رفعه : (( المهديُّ منّا أهل البيت ، يصلحه الله في ليلة )) .

والطبراني عنه أيضاً رفعه : (( المهديّ منا ، يُختمُ الدينُ بنا كما فتح بنا )) .

ولنُعيم بن حماد عن علي رضي الله عنه قال : (( المهدي مولده بالمدينة ، من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، اسمهُ اسم نبيّ ، ومهاجرهُ بيت المقدس . كثُّ اللحية ، أكحلُ العينين ، برّاق الثنايا ، في وجهه خالٌ ، أقنى أجلى ، وفي كتفه علامة النبي . يخرج براية النبي صلى الله عليه وسلم من مُرط بخَمْلةٍ سوداء مرقعة ، فيها حُجَرٌ لم تُنشر منذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تنشر حتى يخرج المهدي ، يمدُّهُ الله بثلاثة من الملائكة يضربون وجوه من خالفه وأدبارهم ، يبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين )) .

ولأبي داود في (( سُننه )) عن عليّ رضي الله عنه : أنه نظر إلى ابنه الحُسين رضي الله عنه الله عنه ، وقال : إنَّ ابني هذا سيّدٌ كما سمّاهُ النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيخرج من صلبه رجلٌ يُسمى باسم نبيكم ، يشبهُهُ في الخُلُق ، ولا يشبهه في الخَلق .

قال : ثم ذكر قصّته ، يملأ الأرض عدلاً .

وله أيضاً عن علي رضي الله عنه : ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يخرج رجلٌ من وراء هذا النهر يُقال له : الحارثُ بن حرّاث ، على مقدمته رجلٌ يُقال له : منصور ، يوطّئُ – أو يمكّنُ – لآل محمد صلى الله عليه وسلم كما مكّنت قريشٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجب علي كلّ مؤمنٍ نصرتُهُ – أو قال : إجابته - )) .

وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( المهديُّ مني ، أجلى الجبهة أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً – أو ظلماً – يملك سبع سنين )) . أخرجه أبو داود .

وفي لفظ عند أحمد : (( لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظُلما وعُدواناً ، ثم يخرج من عترتي – أو من أهل بيتي – من يملؤها قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً )) .

وفي آخر عند الحاكم في (( صحيحه )) : (( ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاءٌ شديدٌ من سلطانهم ، لم يُسمع ببلاء أشدَّ منه ، حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة ، وحتى لا يجد الرجل ملجأ . فيبعث الله رجلاً من عِتْرتي أهل بيتي ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظُلماً وجوراً ، يحبه ساكن السماء وساكن الأرض ، ، وترسل السماء قطرها ، وتُخرج الأرض نباتها ولا تُمسكُ منه شيئاً ، يعيش فيه سبع سنين ، أو ثمان ، أو تسع . يتمنى الإحياء الأمواتُ مما صنع الله عزّ وجل بأهل الأرض من خيره )) .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لو لم يبق من الدّنيا إلا يومٌ ، لطوّل الله ذلك اليوم ، حتى يبعث الله فيه رجلاً منّي – أو مِنْ أهل بيتي – يواطئ اسمهُ اسمي ، واسمُ أبيه اسمُ أبي ، يملؤ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظُلماً وجوراً )) .

أخرجه أبو داود .

وسيأتي عن ابن مسعود رضي الله عنه في (( الباب العاشر )) شيءٌ من هذا .

وعن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( هو رجلٌ من عترتي ، يُقاتل على سُنَّتي كما قاتلت أنا على الوحي )) . أخرجه نُعيم بن حماد .

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( المهديُّ رجلٌ من ولدي ، وجهُهُ كالكوكب الدري ، اللون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي . يملؤ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً ، يرضى بخلافته أهلُ السماء وأهلُ الأرض ، والطير في الجو ، يملك عشرين سنة )) .

أخرجه الرّوياني ، وكذا الطبراني . وعنه أبو نعيم ، ومن طريقهما الديلمي في (( مسنده )) .

للطبراني أيضاً عن حذيفة رضي الله عنه رفعه : (( يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم عليه السلام ، كأنما يقطر من من شعره الماء ، فيقول المهدي : تقدّم صلّ بالناس ، فيقول عيسى عليه السلام : إنما أُقيمت الصّلاة لك ، فصلّ . فيُصلي خلف رجل من ولدي ... )) وذكر باقي الحديث .

وعن عكرمة بن عمار ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( نحنُ ولدُ عبد المطلب سادةُ أهل الجنة أنا ، وحمزة ، وعليٌّ ، وجعفر ، والحسن والحسين ، والمهدي )) . رضي الله عنهم ، رواه ابن

ماجة .

وعن عباية بن ربعي ، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها : (( نبيّنا خير الأنبياء ، وهو أبوك . وشهيدنا خير الشهداء ، وهو عمُّ أبيك حمزة ، ومنّا من له جناحان يطير بهما حيث شاء ، وهو ابن عم أبيك جعفر ، ومنّ سبطا هذه الأمة : الحسن والحسين ، وهما ابناك . ومنّا المهدي )) .

رواه الطبراني في (( الأوسط )) .

وعن أبي جعفر الباقر رضي الله عنه قال : إذا قام مُهديُّنا أهل البيت ، قسم بالسوية ، وعدل في الرعية . فمن أطاعه فقد أطاع الله ، ومن عصاهُ فقد عصى الله وإنما سُمّي المهديُّ ، لأنه يهْدي إلى أمرٍ خفيٍّ .

وكذا قال كعب الأحبار رضي الله عنه : إنما سُميَّ المهديُّ لأنه يهدي إلى أمرٍ خفي .

وعن مجاهد ، قال : قال لي ابن عباس رضي الله عنهما : لو لم أسمع أنك تميل إلى أهل البيت ، ما حدّثتُك بهذا الحديث .

قال مجاهد : فقلت له : أنهُ في سترٍ ، لا أذكرُهُ لمن تكره .

قال : فقال ابن عباس رضي الله عنه الله عنهما : منّا أهل البيت أربعةٌ :

منّا السفاح ، ومنا المُنذرُ ، ومنا المنصور ، ومنا المهدي .

[ قال : فقال له مجاهدٌ : فبين لي هؤلاء الأربعة ] . فأما السفاحُ : فربّما قتل أنصاره وعفا عن عدوه ، وأما المنذر : فإنه يعطي المال الكثير لا يتعاظم في نفسه ، ويمسك القليل من حقه . وأما المنصورُ : فإنه يعطي النصر على عدوه الشطر مما كان يُعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يرعَبُ منهُ عدوّهُ علي مسيرة شهر . وأما المهديُّ : فإنه يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً ، وتأمن البهائم السباع ، وتُلقي الأرض أفلاذ كبدها .

قال : قلتُ : وما أفلاذ كبدها ؟ قال : أمثال الاسطوانة من الذهب والفضة .

أخرجه الحاكم ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يُخرجاه .

وهذا لا يُنافي ما تقدم في كون المهدي من ولد فاطمة الزهراء رضي الله عنها .

وكذا ما رواه ابن المنادي من طريق أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما نفسهُ أنه قال : المهديُّ : اسمه محمد بن عبد الله ، وهو رجلٌ رِبْعةٌ مُشْربٌ بحُمرةٍ ، يُفرِّج الله به عن هذه الأمة كل كرْب ، ويصرف بعدله كل جور ، ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلاً ، ستةٌ من ولد الحسن ، وخمسةٌ من ولد الحُسين ، وآخر من غيرهم ، ثم يموت فيفسد الزمان .

وأما ما أخرجه الديلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( المهديُّ من ولد العباس عمي )) فما تقدم أصحُّ منهُ وأكثر .

ومن الضعيف في ذلك : ما رواه السمرقندي من حديث أبي جعفر المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إليه – يعني العباس – مقبلاً ، فقال له : (( هذا عمي أبو الخلفاء ، أجْودُ قريش كفاً وأجملُها ، وإنّ من ولدهِ السفاح ، والمنصور والمهدي )) .

(( يا عم ، بي فتح الله هذا الأمر ، وختمهُ برجل من ولدك )) ، ويمكن التئامُهما .

وفي الباب أحاديث وآثارٌ كثيرةٌ ، أفرده

ا غير واحدٍ من الأئمة ، فلا أطيل بالكلام عليها .

ومن ذلك : ما رُوي عن جعفر بن بشار الشامي ، قال : (( يبلغُ ردُّ المهدي المظالم ، حتى لو كان تحت ضرس إنسان شيءٌ ، انتزعه حتى يردَّهُ )) .

وعن إبراهيم بن ميسرة ، قال : قلت لطاوس : عمر بن عبد العزيز ، المهدي ؟ قال : لا ، إنّه لم يستكمل العدل كلّهُ .

وما روي من حديث الحسن البصري ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يزداد الأمر إلا شدّةً ، ولا الدنيا إلا إدباراً ، ولا الناسُ إلا شحاً . ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق . ولا مهدي إلأعيسى بن مريم )) .

فأخرجه الشافعي ، وابن ماجة في (( سننه )) ، والحاكم في (( مستدركه )) ، وقال : أوردته تعجباً لا مُحتجاً به ، وآخرون .

وصرّح النسائي بأنه منكر ، وجزم غيره من الحفاظ ، بأنَّ الأحاديث التي قبله أصح إسناداً ، والله الموفق .

وأكثر من ذُكر من أشباهه صلى الله عليه وسلم من أهل بيته وأقربائه خاصةً وهم : إبراهيم ولدُهُ صلى الله عليه وسلم .

فروى الخرائطي في (( اعتلال القلوب )) له من طريق عبد الله بن صالح بن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الرحمن بن شماسة ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أنه صلى الله عليه وسلم دخل على مارية القبطية رضي الله عنها وهي حملٌ منهُ بإبراهيم عليه السلام .

فذكر حديثاً فيه : أنّ جبريل عليه السلام بشّره أنه أشبه الخلق به. وفاطمة الزهراء عليها السلام .

قالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت أحداً أشبه حديثاً وكلاماً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة رضي الله عنها .

وقالت أيضاً : إنها أقبلت تمشي ، ما تُخطيء مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى غير ذلك .

وابناها الحسن والحسين رضي الله عنهما .

فروى البخاري من حديث معمر عن الزهري قال : أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال لم يكن أحدٌ أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما .

وفي لفظٍ لغيره : كان أشبههم وجهاً بالنبي صلى الله عليه وسلم .

وللبخاري من حديث جرير ، عن محمد بن سيرين ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الحسين بن علي رضي الله عنهما : كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم .

وللترمذي ، وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ ، عن علي رضي الله عنه أنه قال : الحسنُ أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الرأس إلى الصدر ، والحسين أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك .

ومن ذريتهما : إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ ، ويحي بن القاسم بن جعفر الصادق بن محمد بن عليّ بن الحسين بن علي رضي الله عنهما ، ذكرا في الأشباه .

وكان يقال لثانيهما : الشبيه والمهدي . وعدّه في الأشباه غلطٌ .

فقد قدّمتُ في حديثٍ عند أبي داود ، عن علي رضي الله عنه الله عنه في وصفه : (( يُسمى باسم نبيكم ، يُشبهه في الخُلُق ولا يُشبههُ في الخلق )) .

وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، ففي (( الصحيح )) من حديث البراء رضي الله عنه : أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( أشبهتَ خلْقي وخُلُقي )) .

وابناه عبد الله ، وعون رضي الله عنهما .

وفي (( النسائي )) وغيره بسند صحيح من حديث عبد الله بن جعفر أنه صلى الله عليه وسلم قال لأخيه عون : (( إنه شبيهُ خلقي وخُلقي )) .

وابن عمهما مُسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه ، تابعيٌّ ذكره ابن حبان في (( ثقاته )) بذلك ، وأخوه محمد ، وابن أخيهما عبد الله بن محمد بن عقيل ، ذكره المزّي في ترجمة والده محمد بذلك ، وأخوه القاسم بن محمد رضي الله عنهم .

قال عُبيد بن إسحاق الكوفي فيما نقلهُ العسكري ، كان أشبه خلق الله برسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقُثم بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وصفه ابن السّكن ، وغيره .

وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، ، وأخوه من الرضاعة ، كان ممن يُشبّهُ به صلى الله عليه وسلم .

وابن أخي الذي قبلهُ ، عبد الله بن نوفل بن الحارث رضي الله عنه .

قال الزبير بن بكار : كان يُشبّهُ بالنبي صلى الله عليه وسلم . وابن أخي هذا عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن بد المطلب رضي الله عنه الملّقب (( بَبَّة )) ، ولد على عهد النّبي صلى الله عليه وسلم ، فحنَّكه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمُّه هند بنت أبي سفيان ، ذكرَهُ في (( المُحبر )) ، وكذا ابن عبد البر في (( الاستيعاب )) بذلك ، ومسلم بن مُتعب بن أي لهب رضي الله عنه .

وكذا في أشباهه صلى الله عليه وسلم من غير بني هاشم – لكن من قريش - ، جماعة وهم : عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي رضي الله عنه ، والوارد بذلك فيه مقال ، حتى صرح الذهبي وغيرهُ ، فيه بالوضع .

وعبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي رضي الله عنه ابن خال الذي قبله ، لأن أمَّ عثمان ، هي أرْوى ابنته كريز ، وهو صحابي .

ذكر غير واحدٍ أنه أُتي به النبي صلى الله عليه وسلم لما ولد ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( هذا يُشبهُنا )) . وجعل يتْفُلُ في فيه ويُعَوِّذُهُ ، فجعل يبتلعُ ريق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنّه لمُسقى )) . وكان لا يُعالج أرْضاً ، إلا ظهر له الماء .

والسائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي رضي الله عنه ، الجد الأعلى لإمامنا الشافعي رحمه الله ، صحابيٌّ من مُصاصة قريش .

قال الزبير بن بكار في (( النسب )) : إنه كان يُشْبهُ النبي صلى الله عليه وسلم .

وروى الحاكم في (( مناقب الشافعي )) من طريق ياس بن معاوية ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في فُسطاطٍ ، إذ جاءَهُ السائب بن عُبيد ومعه ابنه ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( من سعادة المرء ، أن يُشبه أباهُ )) .

وهذا الابن هو شافعُ بن السائب ، ويمكن أن يُعدَّ في الأشباه أيضاً لهذا .

والباقون من الأشباه تتميماً للفائدة : آدم علي السلام أبو البشر ، وإبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء ، وكابسُ بن ربيعة بن عدي ، وعليٌّ بن عليّ بن نجاد بن رفاعة – أبو إسماعيل الرفاعي اليَشكُري البصري - ، وعبيد الله بن أبي طلحة الخولاني ، وثابت البُناني ، وقتادة رضي الله عنهم .

وبالتتبع ربما يوجد غيرهم ، لأن في بعض من أوردتُهُ ، من زِدتُهُ على شيخي ، كما اتفق له هو مع من قبلهُ رحمةُ الله عليهم ، والله أعلم .

وعن القاسم ، عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( يقوم الرّجلُ لأخيه عن مقعده ، إلا بني هاشم ، فإنهم لا يقومون لأحد )) .

أخرجه الطبراني في (( الكبير )) ، والخطيب في (( جامعه )) .

وعن جُويبر ، عن الضّحاك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه قال : (( نحن أهل البيت ، شجرةُ النُّبوة ومُختلفُ الملائكة ، وأهلُ بيت الرسالة ، وأهل بيت الرحمة ، ومعْدِنُ العلم )) . رويناه في (( الرابع )) من (( حديث المخلّص )) وسنده ضعيف .

وفيه أيضاً بسند ضعيف عن عليّ رضي الله عنه الله عنه قال : (( نحنُ النُجباء ، وأفراطُنا الأنبياء ، وحزبُنا حزبُ الله عز وجل .

والفتنة الباغيةُ حزب الشيطان ، ومنْ سوَّى بيننا وبين عدونا ، فليس منَّا )) .

ومن خصائصهم : ما عُزي في ملحقات (( حياة الحيوان )) من الهمزة في الأنساب لقوم : إنَّ المَكْلُوبَ إذا شرب من دم أنساب شريفة برئ لوقته .

وأُنشِدَ لبعضهم :

أحلامُكم لسقام الجهْل شافيةٌ كما دماؤكم تُبري منَ الكلبِ

وكذا ما في (( مسند الفردوس )) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعا ً: (( يجيء يوم القيامة ثلاثة : المسجد والمصحف وعترتي )) . الحديث .

وفيه قول العِترة : قتلونا وشردونا . قال : فأجثو بركبتي للخصومة . فيقول الله عز وجل : (( ذاك لي ، وأنا أولى به )) .

باب إكرام السلف لأهل البيت من الصحابة والمُقتفين طريقهم في الإصابة



عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه ، قال عليٍّ رضي الله عنه : (( والذي نفسي بيده ، لقرابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ أنْ أَصِل من قرابتي )) .

أخرجه البخاري في غزوة خيبر من (( المغازي )) ، وغيرها من (( صحيحة )) .

وهذا ما قاله أبو بكر رضي الله عنه على سبيل الاعتذار عن منْعِهِ لفاطمة رضي الله عنها ما طلبتْهُ ، من تَرِكة النبي صلى الله عليه وسلم .

وعن عمر بن الخطاب ، أنه قال للعباس رضي الله عنهما : (( والله لإسلامك يوم أسلمتَ ، كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ إسلام الخطاب ))

وعن الليث بن سعد ، عن أبي الأسود محمد ، عن عُروة بن الزبير قال : ذهب عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنهما مع أُناسٍ من بني زُهرةَ إلى عائشة رضي الله عنها ، وكانت أرق شيءٍ عليهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

علّقهُ البخاري في (( مناقب قريش )) من (( صحيحة )) ، ووصلَهُ بعدَهُ سواء ، لكن بدون القَصْدِ منْهُ هنا .

فقال : حدّثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، حدثني أبو الأسود ، عن عُروة بن الزُّبير ، قال : كان عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنهما أحبَّ البشَر إلى عائشة رضي الله عنها بعدَ النّبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه ، وكان أبرَّ الناس بها ، وكانت لا تُمسك شيئاً مما جاءها من رزق الله ، إلا تصدَّقت .

فقال ابن الزبير : ينبغي أن يُؤخذ على يديها .

فقالت : أيؤخذُ على يدي ؟! عليَّ نذرٌ إنْ كلّمتُهُ . فاستشفع لها برجالٍ من قريش ، وبأخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصَّةً ، فامتنعت .

فقال له الزُّهريون أخوال النبي صلى الله عليه وسلم – منهم عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ، والمِسوَر بن مخرمة - : إذا استأذنَّا فاقتحم الباب . ففعل .

فأرسل إليها بعشر رقابٍ ، فأعتقتهم . ثم لم تزَل تُعتِقُهم حتى بلغت أربعين .

وقالت وَدِدتُ أني جَعلتُ – حين حلفتُ – عَملاً أَعملهُ ، فأفرُغَ منه .

وقال رَزين بن عبيد : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما ، فأتى زين العابدين عليُّ بن الحسين ، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما : مرحّباً بالحبيب بن الحبيب .

وعن الشعبي قال : صلى زيد بن ثابت رضي الله عنه على جنازة ، ثم قُرّبت له بَغْلَتُهُ ليركبها فجاء عباس رضي الله عنه فأخذ بركابه .

فقال زيد : خلّ عنه يا بن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقال : هكذا نفعلُ بالعُلماء .

فقبّلَ زيدٌ يد ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال : هكذا أُمرنا أن نفعلَ بأهلِ بيت نبينا صلى الله عليه وسلم .

وعن عبد الله بن حسن بن حسن قال : أتيتُ عمر بن عبد العزيز رحمه الله في حاجةٍ لي ، فقال لي : إذا كانت لك حاجةٌ فأرسل إليَّ ، أو اكتُب بها . فإني أستحي من الله أن يراك على بابي .

وعن أبي بكر بن عياش رحمه الله ، قال لو أتاني أبو بكر وعمر وعليٌّ رضي الله عنهم ، لبدأت بحاجة علي قَبْلهُما ، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولأنْ أَخرِرَّ من السماء إلى الأرض ، أحبُّ إليّ من أن أقدمه عليهما .

أورد الثلاثة القاضي عياض في (( الشفا )) .

وأشار إلى أولها عبد البر في (( جامع العلم له )) .

فإنه قال : وروينا من وجوه عن الشعبي قال : صلّى زيد بن ثابت رضي الله عنه على جنازة ، ثم قُربت له بغْلتُهُ ليركبها ، فجاء ابن عباس رضي الله عنهما فأخذ بركابه .

فقال له زيد : خلّ عنه يابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقال : هكذا نفعلُ بالعُلماء والُكبراء .

قال ابن عبد البر رحمه الله : وزاد بعضُهم في هذا الحديث ، أن زيد بن ثابت كافأ ابن عباس رضي الله عنهما على أخذه بركابه ، أن قبّل يده ، وقال : هكذا أُمرنا أن نفعلَ بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم .

قال : وهذه الزيادة من أهلِ العلم مَنْ ينكرها ، والجنازةُ كانت جنازة أُمِّ ثابت ، صلّى عليها زيدٌ وكبّر أربعاً ، وأخذ ابن عباس رضي الله عنهما بركابه يومئذٍ ، انتهى .

ونحو ثانيها : ما ثبت من حديث يعْلى بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إنْ كان ليَبلغني الحديث عن الرجل – يعني من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - ، فآتيه وهو قائلٌ ، فأتوسَّدُ ردائي على بابه ، فتَسفي الرّيحُ على وجهي التراب ، فيخرج فيراني .

فيقول يا ابن عم رسول صلى الله عليه وسلم ، ما جاء بك ؟ ، ألا أرسلت إليَّ فآتيك . فأقول : لا أنا أحقُّ أن آتيك... ، وذكر القصة .

وقالت فاطمة ابنة عليّ بن أبي طالب : دخلتُ على عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة ، فأخرج مَنْ عندهُ وقال : يا ابنة عليٍّ ، والله ما على ظَهْرِ الأرض أهل بيتٍ أحَبُّ إليَّ منكُم ، ولأنتم أحبُّ إليَّ من أهل بيتي .

وحكى صاحب (( المُجالسة )) أن أبا عثمان النَّهدي رحمه الله – وكان من ساكني الكوفة – لما قُتل الحُسين بن علي رضي الله عنهما تحوَّل إلى البصرة ، وقال : لا أسكنُ بلداً قُتلَ فيه ابن بنت النبي الله صلى الله عليه وسلم .

وعند القاضي عياض ، أنَّ مالكاً رحمه الله لمّا تعرَّضَ له جعفر بن سليمان والي المدينة ونال منه ، وحُملَ مغشيَاً عليه .

دَخلَ عليه الناس فأفاق ، فقال : أُشهدكُم أني قد جعلتُ ضاربي في حِلٍّ . فسُئل بعد ذلك ؟

فقال : خِفتُ أن أموتَ فألقى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسْتحي منهُ أن يدخل بعضُ آله النار بسببي .

وقيل : إنّ المنصور أقادَهُ من جعفر ، فقال له مالك رحمه الله : أعوذُ بالله ، والله ما ارتفعَ سوطٌ عن جسمي ، إلا وقد جعلتُهُ في حلٍّ لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروينا عن أحمد بن حنبل رحمه الله ، أنه كان يُلامُ في تقْريبه لعبد الرحمن بن صالح لشيعيته ، فيقول : سبحان الله ، رجلٌ أحبّ قوماً من أهل بيت النبيّ ، وهو ثقة .



وفي (( الجامع )) للخطيب من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : رأيت أبي إذا جاءه الشيخ والحدث من قريش ، أو غيرهم من الأشراف ، لا يخرُجُ من باب المسجد حتى يُخرجهم ، فيتقدّمونهُ ، ثمَّ يخرجُ بعدهُم .

ومن طريق العباس بن يوسف مولى بني هاشم ، عن أبي يزيد أحمد بن روح القرشي قال : كنا عند أحمد بن المُعذَل ، إذ دخلَ محمد بن سليمان الهاشمي ، فقام إليه ابنُ المُعدّل ، فقال له الهاشمي : علي مكانك يا أبا الفضل . فأنشأ ابن المُعذّل يقول :

أقوم إليه إذا بدا لي وأكرمُهُ وأمنحُهُ السّلاما

فلا تعجب لإسراعي إليه فإنَ لمثْله ذُخر القياما

وفي (( المجالسة )) من طريق المدائني ، قال : بينما محمد بن علي بن الحُسين في فناء الكعبة ، أتاه أعرابيٌّ فقال له : هل رأيت الله حين عبدتَهُ ؟ فأطرق وأطرق من كان حوله ، ثم رفع رأسهُ إليه .

فقال : ما كنتُ أعبدُ شيئاً لم أرَهُ .

فقال : وكيف رأيتَهُ ؟

قال : لم ترَهُ الأبصار بمُشاهدة العيان ، ولكنه رأته القلوب بحقائق الإيمان . لا يُدركُ بالحواس ولا يُقاسُ بالناس ، معروفٌ بالآيات ، منعوتٌ بالعلامات . لا يجُور في قضيته ، بانَ من الأشياء وبانت الأشياءُ مِنْهُ ، (ليس كمثله شيءٌ )، ذلك الله لا إله إلا هو .

فقال الأعرابي : (الله أعلمُ حيث يجعلُ رسالتهُ ).

وكذا فيها من طريق المدائني أيضاً ، قال : قَارفَ الزُّهري ذنباً فاستوحش من ذلك ، فهام على وجهه ، فقال له زين العابدين علي بن الحسين : يا زُهري ! قنوطُك من رحمة الله التي وسعت كلّ شيءٍ ، أعظمُ عليكَ من ذنبك .

فقال الزُّهري رحمه الله ( الله أعلمُ حيثُ يجعلُ رسالته) .

فرجع إلى أهله وماله .

وقال الواقدي رحمه الله : حدَّثني ابن أبي سبرّة ، عن سالم مولى أبي جعفر ، قال : كان هشام بن إسماعيل يُؤذي زين العابدين علي بن الحسين وأهل بيته ، يخطُب بذلك وينالُ من علي . فلما ولي الوليد بن عبد الملك ، عزلهُ وأمر به أن يُقفَ للناس .

فكان يقول : لا والله ، ما كان أحدٌ من الناس أهمَّ إليَّ من زين العابدين ، كنتُ أقول رجلٌ صالحٌ يُسمع قوله .

فوُقفَ للناس ، فجمع زين العابدين ولده وحَامَّته ، ونهاهُم عن التعرض له .

قال : وغدا مارّاً ، فما عرض لهُ ، فناداهُ هشام بن إسماعيل ( الله أعلم حيث يجعل رسالته .))

أخبرني الشيخان أبو محمد بن الجمال إبراهيم اللخمي بقراءتي عليه غير مرةٍ بمكة شرفها الله ، والجَمالُ ابن النجم النحوي سماعاً . قال الأول : أخبرني أبي ، قال : أخبرنا أبو العباس أحمد بن يعقوب الحلبي سماعاً ، وأبو النون العسقلاني إِذْناً .

قال أولهما : أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر ، قال هو والعسقلاني : أخبرنا أبو الحسن بن المُغيِّر ، قال العسقلاني : إذناً عن أبي الفضل محمد بن ناصر السُّلامي الحافظ .

وقال شيخنا الثاني : أنبأنا أبو الفداء ابن أبي العباس البعلي مشافهةً ، وسارة ابنة التقي بن عبد الكافي سماعاً ، قالت : أخبرنا والدي قال هو والبعلي : أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن حامد الآرموي ، قال البعلي إذناً ، أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي الطرابلسي ، أخبرنا جدي لأمي الحافظ أبو طاهر السّلَفي قال : هو و ابن ناصر : أنا والحُسين المبارك بن عبد الجبار الصِّيرفي ،أنبأنا ابو الحسين محمد بن محمد بن علي الوراق أخبرنا أبو أحمد عبد السلام بن الحسين بن محمد البصري اللغوي .

قال : قرأتُ على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب المتُّوتي بالبصرة ، وأبي الحُسين محمد بن محمد بن جعفر بن لنكك اللغوي – مفترقين - ، قالا : حدّثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار ، حدّثنا عُبيد الله بن محمد – يعني ابن عائشة – حدّثني أبو وغيره .

قالوا : حجَّ هشام بن عبد الملك في زمن عبد الملك – أو الوليد – فطاف بالبيت ، فجاهدَ أن يصلَ إلى الحجر فيستلمهُ ، فلم يقدر عليه ، فنُصبَ له منْبرٌ وجلس عليه ينظُرُ إلى الناس ومعه أهل الشام . إذْ أقبلَ زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً ، فطاف بالبيت ، فكلما بلغ إلى الحجر ، تنحى له الناس حتّى يستلمهُ .

فقال رجلٌ من أهل الشام : من هذا الذي قد هابه الناسُ هذه الهيبة ؟!

فقال هشام : لا أعرفُهُ – مخافة أن يَرغبَ فيه أهل الشام - .

وكان الفرزدقُ حاضراً ، فقال الفرزدقُ : لكني أعرفُهُ .

قال الشّامي : من هُو يا أبا فراس ؟

قال :

هذا الذي تعرفُ البطحاء وطأتهُ والبيت يعرفُهُ والحلُّ والحرمُ

هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التَّقيُّ النقيُّ الطاهر العَلمُ

إذا رأتهُ قُريش قال قائلها: إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمي إلى ذِروة العزّ التي قصرت عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يكادُ يُمسكه عرفان راحته رُكنُ الحطيم إذا ما جاء يستلم

يغْضي حياءً ويُغضى من مهابته ولا يُكلَّمُ إلا حين يبتسمُ

من جدُّهُ دان فضلُ الأنبياء له وفضلُ أمته دانت له الأممُ

ينشق نورُ الهدى عن نور غرّته كالشمس ينجابُ عن إشراقها الظلم

مشتقةٌ من رسول الله نبعتُه طابت عناصِرُهُ والخيم والشيم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجدّهِ أنبياء الله قد خُتموا

الله شرَّفهُ قِدَماً وفضَّله جرى بذلك له في لوحه القلم

فليس قولك من هذا بضائره العُربُ تعرف من أنكرتَ والعجم

كلتا يديه غياثُ عمَّ نفعُهما يستوكفان ولا يَعروهُما العدمُ

سهل الخليقة لا تُخشى بوادره يزينه اثنان حسن الخُلق والكرم

حمال أثقال أقوام إذا فدِحوا حلو الشمائل تحلو عنده نعمُ

لا يُخلف الوعد ميمونٌ نقيبتُه رحبُ الفِناءِ أريبٌ حين يعتزم

عم البريّةَ بالإحسان فانقشعت عنه الغيابةُ والإملاقُ والعدمُ

من معشر حُبّهم دينٌ وبُغضُهم كفرٌ وقربهم مَنْجى ومُعتصمُ

إن عُدَّ أهل التُّقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هُمُ

لا يستطيع جوادٌ بُعْدَ غايتهم ولا يُدانيهمُ قومٌ وإن كَرُموا

هم الغُيوثُ إذا ما أزمةٌ أزِمت والأُسد أسدُ الشّرى والبأسُ محتدمُ

لا ينقصُ العُسر بسطاً من أكفهم سيان ذاك إن أثروا وإن عُدموا

يُستدفعُ السّوءُ والبلوى بحُبهم ويستربُّ به الإحسان والنَّعمُ

مُقدَّمٌ بعد ذكر الله ذكرهم في كل بدْءٍ ومختُومٍ به الكَلِمُ

يأبي لهم إن يحلَّ الذمُّ ساحتهم خيم كريم وأيدي بالنّدى هُضُمُ

أيُّ الخلائق ليست في رقابهم لأولية هذا أو له نِعَمُ

من يعرفُ الله يعرف أوَّليَه ذا والدِّينُ من بيت هذا ناله الأممُ

قال : فغضب هشام وأمر بحبْس الفرزدق بعُسفان بين مكة والمدينة ، وبلغَ ذلك زين العابدين ، فبعثَ إليه باثني عشر ألف درهم .

وقال : اعذر أبا فراس ، فلو كان عندنا أكثرُ من هذا ، لوصلناك به .

فردّها الفرزدق ، وقال : يا ابن بنت رسول الله ، ما قُلتُ الذي قلتُ إلا غضباً لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وما كنت لأزرأ عليه شيئاً .

فقال : شكر الله لك ذلك ، غير أنّا أهل بيتٍ إذا أنفذنا أمراً ، لم نعد فيه .

فقبلها وجعل يهجو هشاماً وهو في الحبس . وكان ممّا هجاه به :

يحبسنني بين المدينة والتي إليها قلوبُ الناس تهوي مُنيبها

يقَلّبُ رأساً لم يكُن رأس سيّدٍ وعيناً له حولاء بادٍ عيوبها

فبعث فأخرجه .

باب مكافأة الرسول عليه الصلاة والسلام لمن أحسن إليهم يوم القيامة



عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( من اصطنع إلى أحدٍ من أهل بيتي يداً ، كافأته عنها يوم القيامة )) .

أخرجه الجعابي في (( الطالبيين )) .

ورواه الثعلبي في (( تفسيره )) بسند فيه عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي – وهو كذاب – بلفظ : (( من اصطنع صنيعةً إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها ، فأنا أجزيه عليها إذا لقيني يوم القيامة . وحُرّمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، وآذاني في عِتْرتي )) .

وهو عند الطبراني في (( الأوسط )) من حديث أبان بن عثمان رضي الله عنه : سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( من صنع إلى أحدٍكم من ولد عبد المطلب يداً فلم يكافئه بها في الدنيا فعليّ مكافأته غداً إذا لقيني )) .

وللديلمي من حديث عبد الله بن أحمد بن عامر ، عن أبيه عن علي الرضا ، عن أبيه موسى الكاظم ، عن أبيه جعفر الصادق ، عن أبيه محمد الباقر ، عن أبيه زين العابدين علي ، عن أبيه الحسين ، عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أربعةٌ أنا لهم شفيعٌ يوم القيامة : المُكرمُ لذريتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه ، والمُحبُّ لهم بقلبه ولسانه )) .

وسنده ضعيف جداً ، وكذا هو جزء في (( خصائص البيت )) .

ويحكى عن أبي الحسن علي بن إبراهيم بنعثمان الرقي الدّقاق : أن فقيراً علوياً من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب طلب منه دقيقاً بثمنه ، فالتمس منه الثمن . فقال : ليس معي شيء ، ولكن اكتب على جدي – يعني المصطفى صلى الله عليه وسلم - ، فأعطاه وكتب الثمن كما قال .

فتسامع العلويون من الحسنيين والحُسينيين ، فكانوا يجيئونه للشراء أيضاً ، فيعطيهم كذلك ، بحيث نفد ما عنده من دقيق ومال ، واشتد عليه الأمرُ ، ودام في فاقةٍ أياماً .

فدخل على كبيرٍ منهم وعرض عليه خُطوطهم ،وشكى إليه حاله ، فسكت .

فلما كان تلك الليلة ، رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه علي بن أبي طالب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا الحسن ، أتعرفني )) .

قال : نعم ، أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال صلى الله عليه وسلم : (( فلم شكوتني وأنت مُعاملي )) ؟

فقلت : يا رسول الله ، أفتقرت .

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنْ كنتَ عاملتني في الدنيا وفّيتك ، وإنْ كنت عاملتني في الآخرة فاصبر ، فإني نعمَ الغريم )) .

فجزع الرجل جزعاً شديداً وانتبه وهو يبكي ،فخرج سائحاً في البراري والجبال ، ولم يلبث أن وُجدَ ميتاً في كهف جبل ، فحملوه ودفنوه .

ففي تلك الليلة رآهُ سبعةُ نفرٍ من صالحي أهل الكوفة في المنام وعليه حللٌ من الاستبرق ، وهو يمشي في رياض الجنة .

فقالوا له : أنت أبو الحسن ؟

قال : نعم .

قالوا : كيف وصلت إلى هذه النعمة ؟

قال : من عامل محمداً صلى الله عليه وسلم ، وصلَ إلى ما وصلتُ إليه . ألا وإنّي رفيقٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، رُزقتُ ذلك بصبري ، والحمد لله .

باب إشارة المصطفى بما حصل بعده عليهم من القتل والشدة



عن إسماعيل بن رافع ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً )) ، وإن أشدّ قومنا لنا بُغضاً : بنو أمية ، وبنو المغيرة ، وبنو مخزوم )) .

رواه الحاكم ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .

قلتُ : وهذا من عجائبه ، فالجمهور على ضَعف إسماعيل .

وعن إبراهيم النخعي ، عن علقمة ابن مسعود رضي الله عنه قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أقبل فتية من بني هاشم . فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أَغْرورقت عيناه وتغيّر لونه .

قال : فقلت : ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرههُ .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّا أهلُ بيتٍ اختار لله لنا الآخرة على الدّنيا . وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً -و تطريداً - ، حتى يأتي قومٌ من قبل المشرق معهمٌ راياتٌ سودٌ ، فيسألون الخير ولا يعطونهُ . فيُقاتلون فينتصرون ، فيُعطوا ما سألوا ، فلا يَقْبلونَهُ حتى يدفعوها إلى رجلٍ من أهل بيتي ، فيملؤها قِسطاً كما ملؤوها جوراً . فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبْواً على الثلج )) رواه ابن ماجةَ .

وعن عبد الله بن شُرحبيل بن حسنة ، حدثني عمرو بن العاص رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر ، فقال : (( إنّ أول الناس فناءً قريش – أو نحو هذا - ، أهل بيتي )) .

أخرجه ُالطبراني في (( الكبير )) ، وأبو يعلى .

وعن ابن عساكر في مقدمة (( تاريخ دمشق )) من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أول الناس هلاكاً قريش ، وأول قريش هلاكاً أهل بيتي )) .

وللطبراني في (( الأوائل )) له من حديث مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( أول الناس هلاكاً قومك )) . قالت : قلت : يا رسول الله ، كيف ؟

قال : (( يستحيلهم الموت ويتنافسُ فيهم )) .

قلت : فما بقاء الناس بعدهم ؟

قال : (( بقاءُ الحمار إذا كُسر صُلبُهُ )) .

وعن أبي قبيل ، عن أبي رُومان ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : يظهر السُّفياني على الشام ، ثم تكونُ بينهم وقعةٌ بِقَرْقيسيا حتى تشبعَ طير السماء وسباع الأرض من جيفهم .

ثم ينفتقُ عليمه فتقٌ من خلْفهم ، فتُقبل طائفةٌ منهم حتى تدخل أرض خُراسان ، [ وتُقبل خيل السفياني في طلب أهل ] خراسان ، ويقتلون شيعةَ آل محمد صلى الله عليه وسلم بالكوفة ، ثم يخرج أهلُ خراسان في طلب المهدي )) .

أخرجه الحاكم في (( صحيحه )) .

باب التحذير من بغضهم وعداوتهم والتنفير عن سبهم ومساءتهم



قد تقدم في باب (( المحبة )) حديث أنس رضي الله عنه : (( من أبغض أحداً من أهل بيتي ، فقد حُرم شفاعتي )) .

وحديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً : (( لا يبغضنا إلا منافق شقيٌّ )) .

وحديث جرير رضي الله عنه : (( من مات على بغض آل محمد صلى الله عليه وسلم ، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيسٌ من رحمة الله )) .

وقول الحُسين رضي الله عنهما : من عادانا ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم عادى . وقول عبد الله بن حسن: (كفى المبغض لنا بغضا أنسبه إلى من يبغضنا))

وعن جعفر بن إياس ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( والذي نفسي بيده ! لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ ، إلا أدخله الله النار )) .

أخرجه الحاكم وقال : صحيحٌ على شرط مسلم .

وأخرجه ابن حبان في (( صحيحه )) من حديث سليم بن حيّان ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( لا يبغضنا أهلَ البيت رجلٌ ، إلا أدخله الله النار )) .

وترجم عليه : (( إيجاب الحلول في النار لمُبغض أهل بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم )) .

وعند الديلمي في (( مسنده )) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من أبغضنا ، فهو منافق )) .

ولفظه عند أحمد في (( المناقب )) : (( من أبغض أهل البيت فهو منافق )) .

ولأبي بكر بن يوسف بن البهلول من طريق طلحة بن مُصرّف رحمه الله قال : كان يُقال : بُغضُ بني هاشم ، نفاق .

وعن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما ، أنه قال لمعاوية بن حُديج رحمه الله : يا معاوية ! إياك وبُغضُنا ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( لا يبغضنا ولا يحسدنا أحدٌ ، إلا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار )) .

أخرجه الطبراني في (( الأوسط )) وسنده ضعيف .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( اللهم ارزق من أبغضني وأهل بيتي ، كثرة المال والعيال . كفاهم بذلك أن يَكْثُر مالهم فيطول حسابهم ، وأن تكثُر عيالهم ، فيكثر شياطينهم )) .

أورده الديلمي وابنه معاً بلا إسناد . وقد بينت على تقدير ثُبوته مع إيراد نحوه من الأحاديث ، الجمع بينها وبين دُعائه صلى الله عليه وسلم لخادمه سيدنا أنس رضي الله عنه بكثرة المال والولد في كتابي : (( السرُّ المكتوم في الفرق بين المالين المحمود والمذموم )) .

وعن جابر رضي الله عنه ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( من أبغضنا أهل البيت ، حشرهُ الله تعالى يوم القيامة يهودياً . وإن شهد أن لا إله إلا الله )) .

أخرجه الطبراني في (( الأوسط )) ، والعقيلي في (( الضعفاء )) بسندٍ مظلم ، والخطيب بآخر فيه كذاب . ولذلك حكم ابن الجوزي بوضعه ، بل سبقهُ العُقيلي فقال : إنه له أصل .

ونحوه ما للديلمي عن رفعه : (( ثلاثةٌ من كنّ فيه ، فليس مني ولا أنا منه : بُغض عليٍّ ، ، ونصبُ أهل بيتي ، ومن قال : الإيمان كلام )) .

ويروى كما عنده أيضاً عن زيد بن أرقم رضي الله عنه مرفوعاً : (( أنا حربٌ لمن حاربتم ، سلمٌ لمن سالمتم )) . قاله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم .

وعن عطاء بن أبي رباح وغيره من أصحاب ابن عباس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( يا بني عبد المطلب ! إني سألت الله لكم ثلاثاً : أن يُثبتَ قائمكم ، وأن يهدي ضالّكم ، وأن يُعلم جاهلكم . وسألت الله أن يجعلكم جوداً نُجباء رُحماء ، فلو أنّ رجلاً صَفَن بين الركن والمقام فصلى وصام ، ثم لقي الله وهو مبغضٌ لأهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم ، دخل النار )) .

أخرجه الحاكم وقال : صحيحٌ على شرط مسلم .

وقوله صلى الله عليه وسلم (( صفن )) بالمهملة ، ثمَ فاءٌ خفيفةٌ وآخره نون ، أي جمع بين قدميه .

ووقع في رواية : (( صفّ قدميه )) . وكذا فيها : (( نُجداء )) بدل : (( نُجباء )) ، وهي من النجدة والشجاعة ، وشدّة البأس .

وعن إبراهيم بن عبد الله بن حسن ، عن أبيه ، عن أمّه فاطمة ، عن أبيها الحُسين رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( من سبّ أهل بيتي ، فإنما يُريدُ الله والإسلام ))

أخرجه الجعابي في (( الطالبين )) .

وعن عبيد الله ، وعمر ابني محمد بن علي ، عن أبيهما ، عن جدّهما ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( من آذاني في عِترتي ، فعليه لعنةُ الله )) .

أخرجه الجعابي أيضاً .

وعند الديلمي في (( مسنده )) من حديث سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن عليٍّ رضي الله عنه رفعه : (( من آذاني في أهلي ، فقد آذى الله عز وجل )) .

وعند المحب الطبري ، عن عليٍّ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إنَّ الله حرّم الجنة على من ظلم أهل بيتي ، أو قاتلهم ، أو أعان عليهم ، أو سبّهم )) وعزاه لعليٍّ بن موسى .

وهو عند الديلمي بلا إسنادٍ بلفظ : (( حُرمت الجنة )) وذكره وفيه : { أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يُكلّمهُمُ الله ولا ينظرُ إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ }[آل عمران : 77]

في الباب عدة أحاديث كحديث إسماعيل بن عُبيد بن رفاعة بن رافع ، عن أبيه ، عن جده رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( يا أيها الناس ، إنَّ قريشاً أهل أمانةٍ ، فمن بغاهم العواثر ، كبّه الله عز وجل لمنخريه مرتين )) .

رواه الشافعي والبيهقي .

وفي لفظٍ عندهُ : (( إنَّ قريشاً أهلُ صبرٍ وأمانةٍ ، من بغاهم العواثر كبَّهُ الله عز وجل لوجهه يوم القيامة )) .

وحديث سعد رضي الله عنه وغيره : أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( من يُرِد هوان قُريش ، أهانه الله عز وجل )) .

ترجم عليهما البيهقي رحمه الله في كتاب (( مناقب إمامنا الشافعي )) ، رضي الله عنه بقوله : ما حضرني فيمن آذى قرابةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أراد هوانهم ، أو بَغاهُم العواثر . مع ما فيه من البيان أنّ قريشاً أهلُ أمانةٍ ، وأن رحِم النبي صلى الله عليه وسلم موصولٌ في الدنيا والآخرة ، وأن سببه ونسبه لا ينقطعان .

وللطبراني في (( الدعاء )) من حديث عُبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب ، عن عَمرة ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( خمسةٌ – أو قال ستةٌ – لعنتُهم وكل نبيّ مُجاب : الزّائدُ في كتاب الله ، والمُكذّبُ بقدر الله ، والمستحلُّ محارم الله ، والمُستحلُّ من عِترتي ما حرم الله ، والتّارك السُّنة )) .

وفي (( الشفاء )) : أنّهُ لو قال لرجل من بني هاشم : لعن الله بني هاشم ، وقال : أردتُ الظالمين منهم .

أو قال لرجل من ذُريّة النبي صلى الله عليه وسلم قولاً قبيحاً في آبائه أو من نسله ، أو ولده ، على علْمٍ منهُ أنّهُ من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن قرينةٌ في المسألتين تقتضي تخصيص بعض آبائه ، وإخراج النبي صلى الله عليه وسلم ممن سبَهُ منهم ، يُقتل . انتهى .

وفي حوادث سنة اثنتين وأربعين وثمان مئة من تاريخ شيخنا رحمه الله : أن القاضي بهاء الدين الأخنائي المالكي ، حَكَمَ بحضْرة مُستنيبه بقتل يَخْشباي الأشرفي حداً ، لكونه لعنَ أجداد القاضي حُسام الدّين بن حُريز ، بعد أن قال له : أنا شريفٌ وجدّي الحُسين ابن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتصل ذلك بقاضي الإسكندرية فَأُعذِر ، ثم ضُربتَ عُنُقهُ .

نسأل الله التوفيق .

خـاتـمة



تشتمل على أمور مهمة :

أحدها : أنه ينبغي التّحرّز من الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم إلا بحقِّ، فقد روى البخاري في (مناقب قريش ) من (صحيحة) من طريق عبد الواحد بن عبدالله ألنصري، سمعت وائلة بن الاسقع رضي الله عنه يقول :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(إن من أعظم الفرى، أن يدّعي الرجل إلى غير أبيه ،أو يُرِي عينهُ ما لم تَر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم مَا لم يقُل)

ومن طريق يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الدِّيلي ،عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (ليس من رجل ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه ،إلا كفر .ومن ادّعى قوماً ليس له فيهم نسب ،فليتبوّأ مقعده من النار )

وكذا أخرجه مسلم في (صحيحه)وللبخاري ايضاًفي(الفرائض) من (صحيحه)من طريق خالد الحذاء،عن أبي عثمان – هو ألنهدي - ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ادّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه ،فالجنة عليه حرامٌ) وأخرجه ابن ماجه من حديث عاصم الأحول ،عن أبي عثمان ألنهدي ،قال : سمعت سعداً وأبا بكرة رضي الله عنهما ،وكُلُّ واحد منهما يقول :سمعت اذناي ووعى قلبي محمدا ًصلى الله عليه وسلم يقول : فَذَكرهُ... وله من حديث عبد الله بن عثمان بن خُثيم ،عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )من أنتسب إلى غير أبيه ،أو تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) . وللطبراني في (الأوسط)من طريق عبد الله سَخبرة، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من ادّعى نسباً لا يُعرفُ ، كفر بالله وانتفاء من نسب وأن دقّ ، كُفرٌ بالله ). ومن طريق قيس بن أبي حازم، سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...فذكر نحوه. ومن الطريق الثاني أخرجه البزار في ( مسنده). والطبراني أيضا في (الأوسط) و (الصغير) معاً. وكذا ابن ماجه من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري ،عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كُفر ٌبامرئِ ادِّعاءٌ إلى نسبٍ لا يعرف ، وجُحدُه وأن دَقّ ). وكذا هو عند احمد بلفظ كُفرٌ تَبرٍمن نسبٍ وأن دقّ ،وادّعاء نَسَبٍ لا يُعرف ). ولابن ماجه من حديث مُجاهد ،عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من ادّعى إلى غير أبيه ، لم يرُح رائحة الجنة ، وأن ريحها ليُجد من مسيرة خمس مئة عام ). وكذا هو عند احمد لكن بلفظ : (من قدر سبعين عاماً )،أو من مسيرة سبعين عاماً ).

ولابن ماجه من حديث يحيى بن حرب ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :لما نزلت آيةُ اللعان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أيما امرأة ألحقت بقوم من ليس منهم ، فليست من الله في شيئ ، ولن يدخلها جنته . وأيما رجل أنكر ولده وقد عرفه ، احتجب الله منه يوم ألقيامه، وفضحه على رُؤوس الأشهاد ). وللبخاري في ( الأدب المفرد ) من حديث عبيد بن عُمير ،عن عائشة رضي الله عنها ، عنُ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعظم الناس فرياً ،إنسان شاعر يهجو القبيلة من أسرها ، ورجلٌ تنفّى من ولده ).إلى غير ذلك من الأحاديث التي حملُها على ظاهرها يحتاج إلى تأويل ذلك بالمستحلٍّ له ،أو بأن المراد كفر النعمة .وأن لم تحمل على ظاهرها ،فيكون ورود ذلك على سبيل التغليظ لزجر فاعله فعل فعلا شبيها بفعل أهل الكفر . وقدروى أبو مصعب ،عن مالك بن أنس رحمه الله ،قال : من أنتسب إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم – يعني بالباطل -، يُضرب ضربا وجيعا ،ويُشهرُ ويحبس طويلا حتى تظهر توبته ، لأنه استخفاف ٌ بحق الرسول صلى الله عليه وسلم . ورحم الله مالكا كيف لو أدرك من يتسارع إلى ثبوت ما يغلب على الظن التوقُّف في صحته من ذلك بدون تثبّتٍ، غير ملاحظ ما يترتب عليه من الأحكام ، غافلا عن هذا الوعيد الذي كأن مُعينا على الوقوع فيه .إما ثبوته ولو بالأعذار فيه طمعا في الشيء التافه الحقير قائلاً: النس مؤتمنون على أنسابهم، وهذا لعمري توسع غير مرضٍ .ومن هنا توقف كثير ٌ ممن أدركناه من قضاة العدل عن التعرّض لذلك ثبوتا ونفيا ، للرّهبة مما قدّمُته . وما رواه مسلم في (صحيحه)عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

( أربع في أمتي من اثر الجاهلية لا يتركوهن : الفخر في الاحساب ، والطعن في الأنساب ،والاستسقاء بالنجوم ، والنِّياحةُ ).الحديث. فقد استدل به ابن عساكر في (( تبيين كذب المفتري )) لذلك فإنه قال : وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم المُنتخبِ ، فيمن يطعن بغير علم في النسب . وساق الحديث . والظاهرُ : أنه ليس من هذا الباب ، بل معناه ، أن زيداً يطعن في نسب عمرو ، لكون نسبه أشرف وأعلى . وتوضح ذلك الرواية الأخرى التي عند ابن حبان في (( صحيحه )) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فإن في لفظها : (( والتَّعَايُرُ ، أو التَّعغايُّرُ – يعني بالمهملة أو المعجمة في الأنساب )) . ثم إن مما يثبت بالاستفاضة : النسب والشهادة في النسب ، فالاستفاضةُ صحيحةٌ عند الشافعية قطعا ، وكذا جوَّزها أبو حنيفة وغيره . وشرطُ قبُولها ، أن يسمعها مِن جمع مؤمن تواطُؤهُم على الكذب ، وقيل : أقلُّ ذلك أربعة أنفس ، وقيل : يكفي من عدلين ، وقيل : من عدلٍ واحدٍ إِذا سكن القلبُ إليه .

وقد ترجم البخاري (( باب الشهادة على الأنسابِ والرِّضاعِ المستفيض )) وكذا رأيت في محضرِ نسبٍ خط شيخنا بما نصه : الأمر على ما نُصّ وشُرح فيه ، من نسبَةٍ مُنهيةٍ للسيد أمير المؤمنين أبي مُحمد الحسن بن عليّ رضي الله عنهما ، وثبت بأخباره مع غيره عند بعض النُّواب في ربيع الآخر سنة ستٌّ وعشرين )). – قبل استقراره في قضاء الشافعية بأشهر -.

ولم ينفرد بذلك، فقد سبقه لمثله الشيخ أبو محمد بن أبي زيد المالكي،صاحب ( الرسالة ). وكذا كتب في محضرٍ يتضَمّنُ نفي طائفةٍ عن الشرف ، الأستاذ أبو حامد الاسفراييني ،وأبو الحسين ألقدوري .وناهيك بهم جلالةً في طائفة ٍ من العلماء المقتدى بهم .

والله الموفق.



ثانيها : اللائقُ بمحاسن أهل البيت ، اقتفاء أثار سلفهم ، والمشيُ على سنتهم في سُكُونِهم ،فقد قال تعالى (أن أكرمكم عند الله اتقاكم ).{الحجرات :13} .

روى البخاري في (صحيحه ) من طرقٍ عن عبدة بن سليمان ، عن عبيد الله بن عمر العمري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أَيُّ الناس أكرم ؟ فقال أكرمهم عند الله اتْقاهم ).

قالوا :ليس عن هذا نسألك.

قال: (فأكْرَمُ الناس يوسف نبيُّ الله بن نبيُّ الله ابن نبي الله بن خليل الله ).

قالوا :ليس عن هذا نسألك .

قال : ( فعن معادن العرب تسألوني ؟ ).

قالوا :نعم .

قال : (فخيارهم في الجاهلية ،خيارهم في الإسلام، إذا فقِهوا ).وهكذا هو عند النسائي في (التفسير )من (سنته ) من حديث العمري .

وللبخاري في ( الأدب المفرد ) من طريق عبدا لملك، عن عطاء ،عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (لا أرى أحدا يعملُ بهذه الآية يا أيُّها النّاسُ أنا خَلَقْنَاكُم من ذَكَرٍ وَأنثى )حتى بلغ (أن أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ اَتْقَاكُمْ ) {الحجرات :13} فيقول الرجل للرجل : أنا أكرمُ منك ، فليس احدٌ أكرم من احدٍ ، إلا بتِقَوَى الله ).

ومن حديث يزيد بن الأصم قال : قال ابن عباس رضي الله عنهما : (ما تعدُّون الكرم وقد بين الله عز وجل الكرم ؟! فأكرمكم عند الله اتقاكم .ما تعدُّون الحسبَ ؟ أفضلكم حسباً، أحسنكم خُلُقاً ) ولأحمد من حديث بكر ، عن أبي ذر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( أُ نْظُر فأنك ليس بخيرٍ من احمرَ ولا اسودَ، إلا أن تَفْضُلهُ بِتقوى ).

وله ، وكذا للحارث في (( مُسنديهما ))، وابن أبي حاتم من طريق أبي نضرة ، حدثني من شَهِدَ خُطبةَ النبي صلى الله عليه وسلم بمنى وهو على بعير يقول يا أيها الناس ، أن دينكم واحد ، وأن أباكم واحد . ألا لا فضل لِعربيّ على عجميّ ،ولا لأسود على أحمرَ إلا بالتقوى

.خَيركُم عند الله اتقاكم ) .

وللطبراني من طريق محمد بن حبيب بن خِراش العصري ،عن أبيه رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (المسلمون أخوة ، لا فضل لأحد على احدٍ ، إلا بالتقوى ) .

ولابن خُزيمة ، وابن حبان في ( صحيحهما )وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، وعبدٍ في ( تفاسيرهم ) من حديث موسى بن عقبة ، عن عبد الله بن دينار ،عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده ،فما وُجِدَ لها مناخاً في المسجد ، حتى نزل على أيدي الرجال فخُرِجَ بها إلى بطن المسيل فَأنيخت ، ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَطَبهم على راحلته ، فحمد الله عز وجل واثني غليه بما هو له أهل . ثم قال : (( يا أيها الناس ، أن الله قد اذهب عنكم عُبيةَ الجاهلية وتَعظّمها بآبائها، فالناس رجلان :رجلٌ برٌّ تقيٌ كريمٌ على الله ، وفاجرٌ شقيٌ هينٌ على الله .أن الله يقول :{ يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلنكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم أن الله عليم خبير } {الحجرات :13} ثم قال : أقول قولي هذا واستغر الله لي ولكم )) .

ورجاله ثقات بحث أن الضياء ألمقدسي أورده في (المختارة ) من هذا الوجه ، لكن قد أعله ابن مر دويه بأن محمد بن المقري راويه عن عبد الله بن رجاء ، عن موسى بن عقبة وهم في قوله :موسى بن عقبة ، وإنما هو موسى بن عبيدة ، وحينئذ فهو ضعيف ٌ لضعف موسى بن عبيدة . قلت :لكن له متابع عند الترمذي في (التفسير )من (جامعه )من حديث عبدالله بن جعفر والد علي بن ألمديني ،عن عبدالله بن دينار .

ولفظه :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة،فقال يا أيها الناس ، أن الله قد اذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها . فالناس رجلان :برٌّ تقيٌ كريمٌ على الله ، وفاجرٌ شقيٌ هينٌ على الله .والناس بنو آدم ، خلق الله آدم من تراب ، قال الله ( يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم أن الله عليم خبير ){ الحجرات :13} ، .

وابن جعفر أيضا ضعيف ، وادعى الترمذي تفرده به ، وهو مردود بما أوردته.

بل للحديث أيضا شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه الترمذي في آخر (جامعة )من حديث هشام بن سعد ،عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ،عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتو إنما هم فحم جهنم ،أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه .أن الله قد اذهب عنكم عبية الجاهلية ، إنما هو مؤمن تقي ، وفاجر شقي .الناس كلهم بنو آدم ،وآدم خلق من تراب ) .

وقال :أنه حسن ،ثم أخرجه باختصار من حديث هشام أيضا بإثبات أبي سعيد بينه وبين أبي هريرة رضي الله عنه ،وقال :أنه عندنا اصح من الأول . قال : وسعيد المقبري سمع ابا هريرة رضي الله عنه ،ويروي أيضا عن أبيه أشياء كثيرة ،عن أبي هريرة رضي الله عنه . وقد أخرجه العسكري بدون واسطة الأب بلفظ :أن الله اذهب عنكم عبية الجاهلية وتفكهها بآبائها . إنما الناس رجلان :برٌ وتقيٌ كريمٌ على الله أو فاجرٌ شقيٌ هينٌ على الله . ثم تلا (يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم ) الآية ،وليدعن أقوام يفتخرون بفحم من فحم جهنم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها ) .

وقوله عبية الجاهلية ) ،يعني الكبر والتعاظم والتفاخر .وتضم عينها وتكسر .

و (الجعل ) :بضم الجيم ،واحد الجعلان – بكسرها – حيوان معروف كالخنفساء .و ( تدهده ) :أي تدحرج .

ولمسلم وابن ماجه من حديث يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) .

ولأحمد من حديث علي بن رماح ،عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أن أنسابكم هذه ليست بمسبة على احد ، كلكم بنو آدم ،طف الصاع لم تملئوه.ليس لأحد على احد فضل إلا بدين وتقوى ، وكفى بالرجل أن يكون بذيا بخيلا فاحشا ) .

وهكذا رواه ابن جرير والعسكري بلفظ الناس لآدم وحواء كطف الصاع لن تملئوه ، أن الله لا يسألكم عن احسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة ، إلا عن أعمالكم . أكرمكم عند الله اتقاكم ) .

والمعنى والله اعلم :أن كلكم في النقصان عن ملء الصاع واحد ،ليس فيكم من يملؤه . ونحو : رواه أبو بكر بن هلال العسكري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الناس كلهم كأسنان المشط ،وإنما يتفاضلون بالعافية ،فلا تصحبن أحدا لا يرى لك من الفضل ، مثل ما ترى له )) . وكذا رويناه في (مشيخة ابن شاذان الكبرى ) من حديث رواد بن الجراح ، عن أبي سعد ألساعدي ،عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الناس مستوون كأسنان المشط ،ليس لأحد على احد فضل ، إلا بتقوى الله عز وجل )) .وبعضه عند القضاعي من حديث سليمان بن عمرو النخعي ، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الناس كأسنان المشط ) .

فإن معنى هذا : أن الناس يتساوون في الإسلام إذا تكافأت أعمالهم ،وإنما التفاضل في العمل الصالح ، والفعل الجميل .

ولأحمد من طريق عبدالله بن عميرة زوج درة بنة أبي لهب ،عن درة رضي الله عنها قالت : قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال : يا رسول الله ، أي الناس خير ؟ فقال خير الناس أقرؤهم واتقاهم لله عز وجل ، وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر ، وأوصلهم للرحم ).

وله أيضا من حديث أبي الأسود ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها قالت :ما أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من الدنيا ولا أعجبه احد قط ، ألا ذو تقي .

ولأبي يعلى وغيره ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : (كرم المؤمن دينه ، ومروءته عقله ، وحسبه خلقه )

وللديلمي في مسنده (مسنده ) عن عمر رضي الله عنه أنه قال : (الكرم التقوى ،والحسب المال . لست بخير من فارسي ولا نبطي ، إلا بتقوى ) .

ولأحمد والترمذي عن سمرة رضي الله عنه ،أنه صلى الله عليه وسلم قال : (الحسب المال ، والكرم التقوى ) . وقال أنه حسن صحيح غريب .

وللمدائني في وفادة بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن مالك بن أبرهة بن نهشل المجاشعي قال : الست يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اشرف قومي ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن كأن لك عقل ، فلك فضل ،وإن كأن لك خلق فلك مروءة .وإن كأن لك مال ، فلك حسب .وإن كأن لك دين فلك تقي ) .

وكذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وقد سمع رجلا يخطر بين يديه يقول : أنا ابن بطحاء مكة ،كديها فكداؤها - إن يكن لك دين فلك كرم ،وإن يكن لك عقل فلك مروءة ، وإن يكن لك مال فلك شرف .وإلا فأنت والحمار سواء .

وقال الحجاج بن أرطأة لسوار بن عبدالله : أهلكني حب الشرف .فقال سوار اتق الله تشرف . وجاء رجل لعبد الوارث بن سعيد فقال له يا أبا عبيدة ،أني حلفت بطلاق امرأتي هذه ، أني اشرف منها . وحلفت هي بعتق جاريتها , أنها أشرف مني .

فقال أشرفكما ، أكثركما مالاً .

وأشار إلى قوله صلى الله عليه وسلم كما مضى : (( الحَسبُ المال ، والكرمُ التقوى ))

فقال له الرجل : قد سألت عثمان بن مِقسم البُري ، فقال لي كما قلت :

وقد قال أبو العتاهية :

كرم الفتى التقوى وقوته محض اليقين ودينه حسبه

والأرض طينته وكلُ بني حواء فيها واحد نسـبه

ومما نسب إليه :

ألا أن التقى هو العز والكرم وحـبك للدنيا هـو الـذل والعدم

وليس على حرًّ تقي نقيضه إذا صحح التقوى ولو حاك أو حجم

ولبعضهم :

لعمرك ماا لإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالا على النسب

لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشِّركُ الشقي أبـا لهب

ولأبي الفضل ابن أبي طاهر :

حسبُ الفتى أن يكون ذا حسب في نفسه ليس حسبه حسبه







وللقطب القسطلاني :

إذا طاب أصل المرء طابت فروعه ومن غلط جاءت يد الشوك بالورد

وفد يخبث الفرع الذي طاب أصله ليظهر صنع الله في العكس والطرد

وقال محمد بن الربيع الموصلي :

الناس في صور التمثال أكفاء أبوهم أدم والأم حواء

فمن يكن منهم في أصله شرف يفاخرون به فالطين والماء

ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء

ووزن كل امرء ما كأن يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء

وللعسكري والقضاعي وغيرهما ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من بطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه ))

وهو في((صحيح مسلم )) من حديث أبي معاوية ، عن الأعمش به ، في حديث .

ولابن شاذان في (( مشيخته الكبرى )) من حديث فضيل بن مرزوق ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (( من يبطىء به عمله ، لا يسرع به نسبه )) والمعنى : أن من قصر في العمل ، لم ينفعه النسب . وهو كقوله صلى الله عليه وسلم (يا بني هاشم ، لا يجيئني الناس بالأعمال وتجيئوني بالأنساب )) ونحوه الحديث الماضي (( يا بني عبد المطلب ، أنقذو أنفسكم من النار )) وكذا في (( الأدب المفرد )) للبخاري من حديث إسماعيل بن عبيد ، عن أبيه ، عن جده رفاعة بن رافع رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه ( اجمع لي قومك )) ، فجمعهم . فلما حضرو باب النبي صلى الله عليه وسلم ، دخل عليه عمر رضي الله عنه فقال : قد جمعت لك قومي . فسمع ذلك الأنصار ، فقالو : قد نزل في قريش الوحي ، فجاء المستمع ، والناظر ما يقال لهم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام بين أظهرهم ، فقال : ((هل فيكم من غيركم ؟ )) . قالو نعم ، فينا حليفنا وأبن اختنا ، وموالينا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( حليفنا منا ، وابن اختنا منا ، ومولانا منا ، وأنتم تسمعون أن أوليائي منكم المتقون ، فأن كنتم أولئك ، فذاك ، وإلا فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالأثقال ، فيعرض عنكم )) . ثم نادى فقال يا أيها الناس ، - ورفع يديه يضعهما على رؤوس قريش- يا أيها الناس أن قريش أهل أمانة من بغي منهم – قال زهير راوية أظنه قال : العواثر – كبَّهُ الله عز وجل لمنخريه )) يقول ذلك ثلاث مرات . وكذا أخرجه البزار في (( مسنده )) ، وهو عند الحاكم في (( تفسير سورة الأنفال )) من (( مستدركه )) مختصر . وفي (( الأدب المفرد )) للبخاري وغيره ، من حديث عبد العزيز بن محمد ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أن أوليائي يوم القيامة المتقون ، وأن كأن نسب أقرب من نسب . فلا يأتيني الناس بالأعمال ، وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم ، فيقولون : يا محمد ، فأقول هكذا وهكذا وأعرض في كل عطفيه )). وكذا هو عند ابن أبي الدنيا ، وفي (( المسند )) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه : أن النبي الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن ، خرج معه يوصيه ، ثم التفت فأقبل بوجهه إلى المدينة ، فقال (( أن أولى الناس بي المتقُون من كانو )) . وأخرجه الطبراني وزاد فيه (( أن أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي ، وليس كذلك . أن أوليائي منكم المتقون من كانو أو حيث كانو )) . وللشيخين من حديث قيس أبن أبي حازم ، عن عمرو أبن العاص رضي الله عنه قال : سمعت النبي الله صلى الله عليه وسلم . جهاراً غير سراً ، يقول(( أن آل أبي فلأن ليسو لي بأولياء ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين )) لفظ مسلم . وزاد البخاري بآخرة تعليقاً من وجه آخر عن قيس ، عن عمرو رضي الله سمعت النبي الله صلى الله عليه وسلم (ولكن لهم رحم سأبُلها ببلالها )) يعني : بصلتها . ولهذه الجملة ترجم البخاري في (( البر والصلة )) من((صحيحه )) فقال : باب تُبلُّ الرحم ببلالها ووصلها في((بر الوالدين )) . وكذا وصلها أبو نعيم ، والإسماعيلي وآخرون وأن أقتصر الطبراني في (( معجمه الكبير )) على إيرادها من هذا الوجه بلفظ ( أن لنبي أبي طالب عندي رحماً سأبُلُها ببلالها )) . وكذا وقعت الزيادة عند مسلم في (( صحيحه )) في حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه اتفقا عليه كما أسلفته في الباب الثاني ، ما عدا الزيادة ، فأنفرد بها مسلم ، عكس ما وقع في حديث عمرو رضي الله عنه . وهو محمول على غير المسلم منهم ، فأن من جملة آل أبي طالب علياً وجعفراً رضي الله عنهما ، وهما من اخص الناس بالنبي الله صلى الله عليه وسلم ، لما لهما من المسابقة والتقدم في الإسلام ونصر الدين . بل في بعض الأحاديث مما روي مرفوعاً و موقوفاً ، ولكن لا نطيل ببيان علته هنا : (( صالح المؤمنين علي رضي الله عنه )) وإنما خصه بالذكر تنويهاً بذكره ، لكونه رأسهم . قال النووي رحمه الله : ومعنى الحديث :إن وليي من كأن صالحاً ، وإن بعُد مني نسبه . وليس وليي من كان غير صالح وإن قرب مني نسبه . وقال غيره : المعنى إني لا أوالي أحداً بالقرابة ، وإنما أحب الله تعالى لما له من الحق الواجب على العباد , وأحب صالح المؤمنين لوجه الله تعالى . وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح ، سواء أكانو من ذوي رحمي أم لا ، ولكن أرعى لذوي الرحم حقهم لصلة الرحم . وكل ذلك مما يشهد للحديث المروي عن أنس رضي الله عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال : (( آل محمد كل تقيٍّ )) . ولذلك يحكى في (( نوادر أبي العيناء )) أنه غض من بعض الهاشميين فقال له : أتغضُّ مني ؟! وأنت تصلي علي في كل صلاة في وقولك ، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد . فقال أني أريد الطيبين الطاهرين ولست منهم . وقد تمسك بآية الباب مع كثير مما أسلفته من الأحاديث ، من ذهب من العلماء إلى أن النسب في الكفاءة في النكاح لا تشترط ، وإنما المشترط الدين فقط ، ولكن الجمهور على خلافه حسبما بسط في محله . لكن قال ابن العديم فيما رويناه عنه : أخبرني محمد بن محمد بن أحمد بن يوسف الأنصاري التلاوي ، قال : أخبرني الشريف القاضي الرازي الحنفي أنه رأى والدي – يعني أبا عبد الله التلاوي – في المنام في سنة ثلاث وعشرين وست مئة .

فقال له : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي . فقلت له بماذا ؟

فقال بشيء من النسبة بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال : فقلت : له : أنت شريف ؟ فقال : لا .

فقلت : من أين النسبة ؟ .

فقال : كنسبة الكلب إلى الراعي .

قال ابن العديم فأولته بانتسابه إلى الأنصار.

فقال أبنه : أو إلى العلم . قلت : خصوصا علم الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم : (( أولى الناس بي أكثرهم علي صلاة )) إذ هم أكثر الناس علي صلاة ، وتسليماً كثيراً . بل روينا في الثاني عشر من (( المجالسة )) للدينوري عن وهب بن منبه قال : بلغني أن الله عز وجل قال للعُزير : من بر والديه رضيت عنه ، وإذا رضيت باركت ، وإذا باركت بلغت الرابعة من النسل . ونحوه قول بعضهم : المؤمن محفوظٌ في ولده وولد ولده . وروينا مما أخرجه الحاكم في (( صحيحة )) ، وقال : صحيح على شرطهما من حديث عبد الملك بن ميسرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، في قوله تعالى : { وكأن أبوهما صلحاً } ( الكهف 82 ) قال : حفظا لصلاح أبيهما ، وما ذكر عنهما صلاحاً . ومن حديث عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : { ألحقنا بهم ذريتهم } ( الطور : 21 ) . قال : أن الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة ، وأن كانو دونه بالعمل . ثم قرأ : { والذين امنو واتبعتهم ذريتهم بإيمن ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتنهم من عملهم } ( الطور 21 ) يقول وما نقصناهم .

وعن شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير قال : يدخل الرجل الجنة فيقول : أين أبي؟ أين أمي ؟ أين ولدي ؟ أين زوجي ؟ . فيقال له : لم يعملو مثل عملك . فيقول : كنت أعمل لي ولهم . فيقال لهم : ادخلو الجنة . ثم قرأ : {لهم جنت عدن يدخلونها ومن صلح من ءابائهم وأزوجهم وذريتهم } ( الرعد 23 ) فإذا كأن هذا فيمن كأن الصالح هو السابع من آبائهم فيما قيل ، أو الرابع في عموم الذرية ، فخصوص ذرية نبينا صلى الله عليه وسلم أولى وأحرى . ولا سيما وقد قيل : أن حمام الحرم من حمامتين عاشتا على فم الغار الذي اختفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكرم سائر الحمام لهما .

ويستأنس لذلك بحكايات :-

منها : عن علي بن عيسى الوزير ، قال كنت أحسن إلى العلوية براتب لهم ولعيالهم ، لكسوتهم ونفقتهم في سنتهم أدفعه لهم في شهر رمضان ، فاتفق اجتيازي بواحد منهم يوماً ، وهو سكران بأسوء حال ، فقلت في نفسي : أنا أعطي هذا الفاسق خمسة آلاف درهم ينفقها في معصية الله ، لأمنعنه . فلما جاء رمضان ، جاءني في جملة الجماعة فلم أعطه شيئا ً . وقلت له أما رأيتك وأنت سكران في وقت كذا ، فلا تعد إلي بعدها . فلما كانت ليلة ذاك اليوم ، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو معرضٌ عني ، فاشتد علي ذلك . فقلت يا رسول الله ، هذا مع كثرة إحساني لأولادك وبرِّي لهم ، وكثرة صلاتي عليك . قال صلى الله عليه وسلم : (( فلما رددت ولدي فلأناً عن بابك أقبح رد وخيبته ، وقطعت راتبه كل سنة )) . فقلت : لأني رأيته على فاحشة ، وكرهت أن أعينه على المعصية . قال صلى الله عليه وسلم : (( أكنت تعطيه لأجله أو لأجلي

؟ )) . قالك فقلت لأ جلك

قال صلى الله عليه وسلم : (( أفما كان يجمل أن تستر عليه عثرته لأجلي ؟ )) فقلت كرامةً وعزاً ، وانتبهت فأرسلت خلفه ، ودفعت له عشرة آلاف . فسألني عن سبب ذلك بعدما تقدم ، فأعلمته فبكى ، وعقد التوبة مع الله . ومنها : ما أورده التقيُّ الفاسي الحافظ في ترجمةأبي عبد الله محمد بن عمر بن يوسف بن عمر الأنصاري القرطبي من كتابه (( العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين )) : أنه كأنت له أخبار مع الملك الكامل صاحب مصر في حق شرفاء المدينة وتعظيمهم ، بحيث سافر إلى مصر مع بعضهم لقضاء حاجته عنده ، وكأن يتولى خدمتهم بنفسه ، فما وسع الكامل إلا قضاؤها لإجلالة الشيخ ، حتى كان يأتي إليه للزيارة . وأن سبب تعظيم الشيخ لهم ، كون شخص منهم مات ، فتوقف عن الصلاة عليه ، لكونه كأن يلعب بالحمام . فرأى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، فأعرضت عنه . فاستعطفها حتى أقبلت عليه وعاتبته قائلة : (( أما يتسع جاهُنا مُطيراً )) . ونحوه ما حكاه الفاسي أيضا في ترجمة صاحب مكة الشريف أبي نميٍّ محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني . أنه فيما بلغه لما مات امتنع الشيخ عفيف الدين الدلاصي من الصلاة عليه ، فرأى في المنام فاطمة رضي الله عنها وهي بالمسجد الحرام والناس يسلمون عليها ، وأنه رام السلام عليا ، فأعرضت عنه ثلاث مرار ، فتحامل عليها وسألها عن سبب إعراضها عنه فقالت له : (( يموت ولدي ولا تصلي عليه )) . فبادر وأعترف بالظلم . وحكى التقي المقريزي ، عن يعقوب بن يوسف بن علي بن محمد المغربي : أنه كأن بالمدينة النبوية في رجب سنة سبع عشر وثمان مئة ، فقال له الشيخ العابد أبو عبد الله محمد الفارسي – وهما في الروضة النبوية -: أني كنت أبغض أشراف المدينة النبوية بني حسين ، لما يظهرون من التعصب على أهل السنة ، ويتظاهرون به من البدع . فرأيت وأنا نائم بالمسجد النبوي تجاه القبر الشريف ، رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : (( يا فلأن – باسمي - ، مالي أراك تبغض أولادي ؟ )) فقلت : حاشا الله ما أكرههم ، ولكن كرهت منهم ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة . فقال لي صلى الله عليه وسلم : مسألة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب ؟ )) . فقلت : بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال صلى الله عليه وسلم : (( هذا ولد عاق )) . قال : فلما انتبهت صرت لا ألقى من بني حسين – أشراف المدينة – أحداً ، إلا بالغت في إكرامه . وحكى أيضاً عن الرئيس شمس الدين محمد بن عبدالله العمري ،قال : سرت يوما في خدمة الجمال محمود العجمي المكتسب من منزلة ، ومعه نوابه وأتباعه إلى بيت الشريف عبد الرحمن الطباطبي المؤذن ، فاستأذن عليه . فخرج إليه فأدخله منزله ودخلنا معه وعظم عليه مجيء المحتسب إليه .

فلما اطمئن به المجلس ،قال للشريف :يا سيد حاللني . فقال : مماذا يا مولاي؟ .

فقال :أنك لما جلست البارحة عند السلطان الظاهر برقوق فوقي ، عزّ ذلك علي وقلت في نفسي :كيف يجلس هذا فوقي ؟ . فلما كان الليل ، رأيت في منامي النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا محمود ! أتأنف أن تجلس تحت ولدي ؟ )،فبكى الشريف عند ذلك وقال : يا مولانا ، من أنا حتى يذكرني النبي صلى الله عليه وسلم . وبكى الجماعة ، ثم سألوه الدعاء وانصرفوا .

وحكى الجمال أبو محمد عبد الغفار بن المعين أبي العباس احمد بن عبد المجيد الأنصاري الخزرجى الاقصري القوصي – عرف بابن نوح – في كتابه ( المنتقى من كتاب الوحيد في سلوك أهل التوحيد والإيمان بأولياء الله في كل زمان ) ، عن الحاجة أم نجم الدين ابنة مطروح زوجة القاضي سراج الدين -وكانت من الصالحات -

قالت :حصل لنا غلاء بمكة أكل الناس فيه الجلود ، وكنا ثمانية عشر نفسا ، فكنا نعمل ما مقداره نصف قدح حسوة . فبينما نحن كذلك ، إذ جاءنا من الدقيق أربع عشرة قطعه ،فاقتطعت منها الزائد على العشر وقلت له : أي لزوجها – أنت تريد أن تقتلنا من الجوع .وفرق العشر على أهل مكة . فلما كأن الليل ، قام من منامه وهو مرعوب ، وربما قالت يبكي فقلت له : ما بالك ؟ . قال : رأيت الساعة في منامي فاطمة الزهراء رضي الله عنها وهي تقول: (يا سراج ! تأكل البر وأولادي جياع )) ونهض إلى القطع التي أخرتها ففرقها على الأشراف ، وبقينا بلا شيء ، وما كنا نقدر على القيام من الجوع . وحكى التقي بن فهد الهاشمي المكي لحافظ فيما سمعه منه ابناه قال :جاءني الشريف عقيل بن هميلي – وهو من الأمراء الهوا شم - يسألني عشاء ، فاعتذرت إليه ولم افعل . فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة – أو في غيرها – فاعرض عني .

فقلت : كيف تعرض عي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا خادم حديثك ؟ . فقال صلى الله عليه وسلم : (( كيف لا اعرض عنك ويأتيك ولد من أولادي يطلب منك العشاء ، فلم تعشه )) . قال: فلما أصبحت جئت الشريف فاعتذرت إليه وأحسنت له بما تيسر .

وحكى المقريزي عن العز عبد العزيز بن علي بن العز البغدادي الحنبلي قاضي الحنابلة بعدة أماكن –وكان من جلساء المؤيد – أنه رأى كأنه في المسجد النبوي ،وكأن القبر الشريف أنفتح ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وجلس على شفيره وعلي أكفأنه ، فأشار بيده إلي ،فقمت إليه حتى دنوت منه .فقال لي صلى الله عليه وسلم : (( قل للمؤيد :يفرّج عن عجلان )) – يعني ابن نعير أميرالمدينه ،وكان محبوسا سنة اثنتين وعشرين وثمان مئة – . قال : فلما انتبهت صعدت إلى السلطان ، وحلفت له بالأيمان المغلظة أنني ما رأيت عجلان قط ، ولا بيني وبينه معرفة . ثم قصصت عليه الرؤيا فسكت.

ثم لما انقضى المجلس ، قام بنفسه إلى مرماة النشاب التي استجدها بطرف الدركاة ، واستدعى بعجلان من محبسه بالبرج ، وأفرج عنه وأحسن إليه . ثم قال التقي المقريزي : وعندي عدة حكايات صحيحة مثل هذه في حق بني حسن ، وبني حسين . فإياك والوقيعة فيهم ، فليست بدعة المبتدع فيهم ، أو تفريط المفرط منهم في شيء من العبادات ، أو ارتكابه محرماً من المحرمات ، مُخرجٌ له من بنوة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل الولد ولداً على كل حال ، عقَّ أو فجرَ . قال : ومن غريب ما اتفق ، أن السلطان - ولم يُعينهُ – كحل الشريف سرداح بن مقبل بن نخبار بن مقبل بن محمد بن راجح بن إدريس بن حسن بن أبي عزيز قتادة بن إدريس بن مُطاعن الحسني حتى تفقأت حدقتاه وسالتا ، وورم دماغه ونتن . فتوجه بعد عماهُ إلى المدينة النبوية ، ووقف عند قبر الشريف وشكا ما به وبات تلك الليلة ، فرأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح عينيه بيده الشريفة ، فأصبح وهو يبصر عيناه أحسن ما كانتا ، واشتهر ذلك في المدينة . ثم قدم القاهرة ، فغضب السلطان وظن مُحاباة الذين كحلوه ، حتى أقيمة عنده البينة المرضية بمشاهدة كحله وسيلان حدقته ، وكون أهل المدينة النبوية شاهدوه كذلك . ثم أصبح وهو يبصر ، وقص عليهم رؤياه ، فتركه السلطان بحاله ، وبرأ الذين كحلوه ، واستمر حتى مات بالطاعون . ومن أبلغ ما يحكى في الترغيب في إكرامهم ، ما حكاه الجمال محمد بن حسن ألخالدي المكي المعروف والده – بالكذاب – مما سمعه منه صاحبنا النجم بن فهد ، ورواه المقريزي بواسطته عنه : أن بعض القراء ممن كان يقرأ على قبر تمرْلنك بعد موته ، حكى له وهما بشيراز . قال : كنت إذ كنت مع القراء قرأت القرآن ، وإذ خلوت بالقبر قرأت : { خذوه فغلوه (30) ثم الجحيم صلوه } (الحاقة 30/31 ) وأكرر تلاوتها فبينا أنا في بعض الليالي نائم ، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس وتمر إلى جانبه قال : فنهرته وقلت : إلى هنا يا عدو الله وصلت . وأردت أخذه بيده لأقيمه من جانب النبي صلى الله عليه وسلم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( دعه ، فإنه كان يحب ذريتي - أو إنه يحب ذريتي - )) . قال : فانتبهت وأنا فزع ، فتركت بعد ذلك ما كنت أقرأه في الخلوة . ونحوه مما سمعه الجمال امرشدي ، والشهاب الكوراني – وهو الآن في قيد الحياة - ، من الزين عبد الرحمن البغدادي الخلال : أن بعض أمراء تمر لنك أخبره : أنه لما مرض تمرلنك مرض الموت . اضطرب في بعض الأيام اضطراباً شديداً ، واسودّ وجهه وتغير لونه ، ثم أفاق ، فذكرو له ذلك . فقال : إن ملائكة العذاب أتتني ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : (( اذهبوا عنه فإنه كان يحب ذريتي ويحسن إليهم )) فذهبو . ومن سير أهل البيت : ما رويناه عن جرير به أنه قال : ما أكل زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً قط . ويروى عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً : (( الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد صلى الله عليه وسلم )) . ثالثها : اللائق بمحبهم أن ينزلهم منزلتهم ، فمن كان منهم موصوفاً بالعلم ، قدمه على غيره ، على الحكم الذي أسلفته في الباب الأول ويروى كما عند أبي نعيم في (( الحلية )) وغيره من حديث الحسن ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الحكمة تزيد الشريف شرفاً ، وترفع العبد المملوك حتى تجلسه مجالس الملوك )) . وقيل إنه موقوف على أنس رضي الله عنه ، أو من كلام الحسن. بل يروى عن مالك بن دينار قال : قرأت في بعض كتب الله ، فذكره ... وللعسكري من حديث حماد بن سلمه ، عن ثابت عن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( اتبعوني تكونوا بيوتاً )) . أي تشرفوا ، وأراد البيت من بيوت العرب الذي يجمع شرف القبيلة . يقال البيت في بني فلان ، أي الشرف . ومن حديث أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي ذر رضي الله عنه : انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( أفضل الناس مؤمن بين كريمين )) . أي بين أبوين كريمين مؤمنين ، فيكون قد اجتمع له الإيمان والكرم فيه ، وفي أبويه . وقال صلى الله عليه وسلم : (( الناس معادن في الخير والشر ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )) . ولأحمد بن منيع ، وأبي يعلى في (( مسنديهما )) . عن علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يا علي ، يدخل النار فيك رجلان : محبٌ مفرط ، ومبغضٌ مفرط . كلاهما في النار )) . وللطبراني من حديث الحجاج بن تميم ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده علي رضي الله عنه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا علي ، سيكون في أمتي قوم ينتحلون حُبنا أهل البيت ، لهم نُبزٌ يسمُون الرافضة ، فاقتلوهم فإنهم مشركون )) . وقال يحيى بن سعيد : سمعت زين العابدين علي بن الحسين رحمه الله – وكان أفضل هاشمي أدركته – يقول : يا أيها الناس أحبونا حب الإسلام ، فما برح بنا حبكم ، حتى صار علينا عاراً . وقال أبو معاوية وأبو خالد وغيرهما ، عن يحيى بن سعيد أيضا ، سمعته يقول : يا أهل العراق ، أحبونا بحب الإسلام ، فوالله ما زال حبكم بنا ، حتى صار سبةً . وقال الثوري عن عبيد الله بن موهب : جاء قوم إلى زين العابدين فأثنوا عليه فقال : ما أجرأكم – أوما أكذبكم – على الله ، نحن من صالحي قومنا ، فحسبنا أن نكون من صالحي قومنا . وفي جزء محمد بن عاصم قال : حدثنا شبابة ، عن الفضيل بن مرزوق ، قال : سألت عمر بن علي ، وزين العابدين ، وعمي جعفراً . قلت : هل فيكم إنسان من أهل البيت ، مفترضةٌ طاعته . فقالوا : لا والله ، من قال هذا فينا ، فهو كذاب . وقد تقدم في الباب الثاني قول الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم لرجل ممن يغلو فيهم : ويحكم ! أحبونا لله ، فإن أطعنا الله فأحبونا ، وإن عصيناه فابغضونا . قولوا فينا بالحق ، فإنه أبلغ فيما تريدون ، ونحن نرضى به منكم . رابعها : أخبرني غير واحد ، منهم أبو عبد الرحمن بن محمد : أن أبا الحسن الدمشقي أخبرهم عن الشرف أبي محمد عيسى بن عبد الرحمن ،أخبرنا الحافظ الضياء أبو عبد الله ألمقدسي ، أخبرنا أبو الحين احمد بن حمزة بن علي السلمي قراءة عليه ، حدثنا أبو بكر يحيى الغزال لفظاً ، سمعت أبا الفضل حمداً يقول : (ح) وأخبرتني عالياً أم محمد ابنة أبي حفص الحموي ، عن أبي حفص بن الحسن المزي ، وجماعة ، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الحنبلي مشافهة ، أخبرنا أبو المكارم اللبان في كتابه ، أخبرنا أبو علي الحداد ، قالا : أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله ، حدثنا ألقاضي أبو الحسن علي بن محمد القزويني إملاء بغداد ، حدثني محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة ، حدثني القاسم بن العلاء الهمداني ، حدثني الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد بن باقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين بن أبي طالب ، حدثني أبي علي ، حدثني أبي محمد ، حدثني أبي علي ، حدثني أبي الحسين رضي الله عنه ، حدثني أبي طالب بن أبي طالب رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( قال لي جبريل عليه السلام : يا محمد إن مدمن الخمر ، كعابد وثن )) . هذا حديث غريب أتصل بقول كل واحد من رواته : أشهد بالله وأشهد الله ، لقد أخبرني فلان ، وقرأته كذلك على شيخنا رحمه الله في جملة مسلسلات ابن المفضل . رواه ابن المفضل عن السلفي ، عن أبي علي الحسن بن أحمد بن مهرة ، عن أبي نعيم ، فوقع لنا عالياً . وقال أبو نعيم عقبة : هذا حديث صحيح ثابت روته العترة الطيبة ، ولم نكتبه على هذا الشرط بالشهادة بالله ولله ، إلا عن هذا الشيخ . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من غير طريق ، انتهى . وهذه الترجمة – أعني رواية جعفر الصادق ، عن أبيه الباقر ، عن زين العابدين علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم – كما قال الحاكم أبو عبد الله صاحب (( المستدرك )) : أصح أسانيد أهل البيت ، لكن بشرط أن يكون الراوي عن جعفر ثقة . واقتصرت عليه لكثرة من اجتمع فيه من أهل البيت ، وعندي مسلسلات ن اجتمع فيها أربعة عشر أباً من أهل البيت . وإلا ففي (( مسند الإمام احمد )) مسنداً لأهل البيت أشتمل على : مسند الحسن ، والحسين ، و عقيل ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم . وقدم علياً رضي الله عنه رأسهم في (( مسند العشرة )) . وكذا عندنا في (( الذرية الطاهرة )) جملة أحاديث من مسانيد أهل البيت ، بل عندي الشيء الكثير من ذلك ، مما لو تتبعته وأوردته لطال الكتاب ، والله الهادي إلى الصواب . وقد قال السيد شهاب الدين حسين بن محمد الحسيني صاحب المدرسة الشريفية البهائية :

وخِلٌّ جاء يسأل عن قبيلي وضوء الشمس للرائي جليُّ

فقلت له ولم أفخر وإنـى يحق لمثلي الفخـر ألعلـيُّ

محمد خير خلق الله جدي وأمي فاطم وأبـي علـي

آخره . وصلى الله على سيدنا محمد أشرف رسله وخلقه وعلى أهل بيته وأصحابه وأنصاره وأزواجه وأشياعه وأتباعه وسلم تسليماً كثيرا .







انتهى النَّقل مِن محبكم في الله تعالى

سمط الدُّرر



http://al7ewar.net/forum/showthread.php?t=15177&highlight=%C7%E1%CB%DE%E1%ED%E4



حقيقة صوفية حضرموت