منتدى الحوار الاسلامي

الثلاثاء، 16 مارس 2010

القول الأحمد في جواز النداء ب (يا مُحمّد)

القول الأحمد في جواز النداء ب (يا مُحمّد)



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام وعلى ءاله وصحابته الأعلام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.

اعلم أن مما هو مشهور عند أهل الحق جواز النداء بلفظ "يا محمد"، ولو شذ رَعاع من الناس فاعتبروا ذلك شركًا إنما يكونون بذلك قد خالفوا الصواب والحقيقة وحالفوا الشر والرذيلة
إذ لا دليل حقيقي على منع ذلك مطلقًا بل إن المستفيض من الآثار والأخبار يدل على جواز النداء بما قدمنا حتى ولو كان بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، إذ إن هذه العبارة فيها توسل به صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه عليه الصلاة والسلام حي في قبره.
وعليه فإن قيل: إن النداء بهذه الصيغة لا يكون إلا للحي الحاضر فيما يقدر عليه وما عدا ذلك فهو ضلال لأنه عبادة غير الله.

قلنا: لو كان السبب أنه تحصل العبادة بمجرد النداء فعلى مقتضى ذلك ينبغي أن يكون دعاء الحي الحاضر عبادة كذلك لاشتراكهما في معنى النداء، وإلا فلم التخصيص بالحي الحاضر فيما يقدر عليه وهذا لم يقل به أحد من أئمة الإسلام المعتبرين، بل يكون هذا التفصيل على هذا النحو تحكمًا ظاهرًا وقولاً بلا دليل ولا عبرة بكلام قام الدليل على خلافه كما سيظهر لك من التالي.

روى البخاري في الأدب المفرد ما نصه: حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي اسحق عن عبد الرحمن بن سعد قال: "خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك فقال: يا محمد" اهـ.
وقد ذكر البخاري هذا الحديث تحت عنوان: [باب ما يقول الرجل إذا خدرت رجله].
وعليه نقول: هل يقول عاقل إن ابن عمر كافر لأنه نادى بلفظ يا محمد في غير حضرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أم بماذا يحكم مانع النداء بلفظ يا محمد على الصحابي الجليل ابن عمر؟
وقد روى هذا الحديث ابن السني في كتابه (عمل اليوم والليلة) واستحسنه ابن تيمية نفسه فرواه في كتابه المسمى (الكلم الطيب) وأثبته بلفظ "يا محمد" وعليه فليكن معلومًا يا أخي المسلم أن هذا الأثر عن ابن عمر ليس غريبًا ولا منكرًا بل وليس شذوذًا تفرد به ابن عمر، بل هو شيء فعله كثير من الصحابة الكرام الأجلاء، فمن كبراء الصحابة من ثبت أنه نادى بلفظ "يا محمد".

فقد روى الحافظ أبو نعيم في الحلية وابن الجوزي في (صفوة الصفوة) ومحمد المرتضى الزبيدي في كتابه (اتحاف السادة المتقين) أن خبيب بن عدي الأنصاري رضيالله عنه لما قُدّم للقتل بعدما أنشد هذين البيتين من الشعر:
فلست أبالي حين أقتل مسلما -- على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ -- يبارك على أوصال شلو مُمَزَّع
قال: "يا محمد"، ثم ضربوه فقتلوه.
وخبيب هذا هو من الصحابة الأنصار الذين ناصروارسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد الذين شهدوا بدرًا الكبرى، ومعلوم ما للبدريين من شأن عظيم وفضل كبير، فلقد وردت البشارة لمن شهد بدرًا بالجنة، فما ظنك بإنسان هذا حاله يقول قبل وفاته بلحظات: "يا محمد" فتكون من أواخر كلماته التي خرج عليها من الدنيا.

فهل بعد هذا يرعوي عاقل منصف، لا، إن طالب الحق يجد بغيته بعد ثبوت الآثار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صحابته الأبرار، أليسوا قد عاصروه واقتبسوا من هديه وتعاليمه عليه الصلاة والسلام؟
أليسوا هم أفقه وأعلم بالشريعة من رعاع اليوم؟
بلـــــــــــــــى.
أفيترك فعل صحابي لكلام ناعق لا يكاد يفقه القول ؟ سبحانك ربي لك الأمر وإليك المصير.

وإليك يا أخي المسلم زيادة على ما مر من الدليل ما رواه ابن الأثير في الكامل وابن كثير في البداية والنهاية أن سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه كان شعار كتيبته يوم اليمامة حرب مسيلمة الكذاب أنهم ينادون قائلين: "يا محمداه"
وهذا نداء وافق عليه كثير من الصحابة وفيهم خيار، فخالد نادى بذلك ونادى بندائه الجيش فهل يكون هذا إلا إقرارًا من هذا الجيش الكريم على تصويب ما أمر به خالد رضي الله عنه وقد كان في الجيش من الحفاظ والعلماء والبدريين وعِليَة الصحابة وطليعة القوم الذين سبق لهم ما سبق من الفضل الكبير.

وإليك مع ذلك دليلاً ءاخر يؤكد صحة ما نثبته في هذا الموضوع، فقد روى سيف عن بشر بن الفضيل عن جبير بن صخر بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من مُزَينة عام الرمادة سأله أهله أن يذبح لهم شاة فقال: ليس فيهن شيء فألحوا عليه فذبح شاة فإذا عظامها حُمر، فقال: "يا محمداه"
فلما أمسى أُري في المنام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: "أبشر بالحياة، ائت عمر فأقرئه مني السلام وقل له إن عهدي بك وفي العهد شديد العقد، فالكيس الكيس يا عمر".
فجاء حتى أتى باب عمر فقال لغلامه: "استأذن لرسول رسول الله" فأتى عمر فأخبره ففزع ثم صعد عمر المنبر فقال للناس: "أنشدكم الله الذي هداكم للإسلام هل رأيتم مني شيئًا تكرهونه فقالوا: اللهم لا، وعمَّ ذاك فأخبرهم بقول المزني وهو بلال بن الحارث، ففطنوا ولم يفطن فقالوا: إنما استبطأك في الاستسقاء فاستسق بنا، فنادى في الناس فخطب فأوجز ثم صلى ركعتين فأوجز ثم قال: "اللهم عجزت عنا أنصارنا وعجز عنا حولنا وقوتنا وعجزت عنا أنفسنا ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم اسقنا وأحي العباد والبلاد".

ومحل الشاهد في هذا الحديث قول بلال بن الحارث ابتداء "يا محمداه" فلم ينكر عليه فدل ذلك على جوازه ولو كان هذا الرجل وقع في محظور لما سكت عليه عمر بن الخطاب وهو المعروف بجرأته في مواطن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم إنه مما يظهر أيضًا جواز ذلك أن الإنسان قد يبتلى في دنياه أحيانًا بفاقة شديدة من بلاء يشق عليه، فيقصد زعيمًا أو ملكًا ويقول: "يا ملكنا أغثني، يا فلان أدركني" ولا يُنكر عليه.
فإن قيل: هذا في الحي الحاضر.
فنقول: إن كان هذا جائزًا في الحي الحاضر فجوازه في نداء النبي محمد أولى إذ إنه عليه الصلاة والسلام حي في قبره كما دلت على ذلك الأخبار والنصوص الكثيرة من نحو قوله عليه الصلاة والسلام: "الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون" وهذا الحديث صححه البيهقي في جزء (حياة الأنبياء) وأورده الحافظ ابن حجر على أنه ثابت في (فتح الباري) وذلك لما التزمه الحافظ ابن حجر أن ما يذكره من الأحاديث شرحًا أو تتمة لحديث في متن البخاري فهو صحيح أو حسن كما ذكر ذلك في مقدمة الفتح.

وفي حديث ءاخر: "فإن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" رواه البيهقي والحاكم.

وهناك أحاديث كثيرة أخرى تشهد بصحة ما نقول ثم إنه قد قام الدليل أيضًا على صحة سماع الميت المسلم وذلك من حديث: "ما من رجل مسلم يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام" صححه الحافظ عبد الحق الإشبيلي كما ورد في الإتحاف للزبيدي.

وكذلك قام الدليل أيضًا على صحة سماع الغائب النداء من بعيد، فعن ابن عباس قال: "قام إبراهيم عليه السلام على الحجر فقال: يا أيها الناس كتب عليكم الحج، فأسمع من في أصلاب الآباء وأرحام النساء فأجابه من ءامن ومن كان سبق في علمالله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك" صححه ابن حجر في فتح الباري.

والعجب أن نفاة التوسل لا يرون صحة ذلك بل وينكرونه وقد صححه من له أهلية التصحيح كالحافظ ابن حجر كما رأيتَ.

فإذا كان الأمر على نحو ما ذكر نقول: لا مانع أن يُسمع اللهُ نبيه نداء من شاء وأن يحصل لهذا المرء نفع وخير بإذن الله وهذا ما يثبته العقل والشرع فالزمه واترك من خالف وشذ وخرج من جادَّة الصواب، وكن على حذر مما يلقيه إليك أصحاب السوء وأهل الأهواء من شبه وتمويهات زائفة مما يتلقفونه من أشياخهم ومقدميهم.
واعلم أن كل شرط خالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باطل وإن كان ألف شرط، فتنبه أخي المسلم وكن حريصًا على ما ينفعك فالحق أحق أن يتبع.

أليس إبطال تكفير المسلم من أمور العقيدة العظيمة؟
أليس حقن دماء المسلمين كذلك؟
أليس تكذيب الرسول فيما علمه الصحابة من ندائه حيا وميتا في حضرته وغيبته من أمور العقيدة؟
أليس نقض التكذيب من أمور العقيدة دفاعا عن الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم؟

بلى وهذا أمر عقائدي بحت، المسئلة من أبواب الفقه إنما الفقه الأكبر "عقيدة المسلمين"
فكيف ينكر هؤلاء أن الشعار كان في عدة معارك "يا محمد" أو "يا محمداه" أو "محمد" وهذا الأخير على تقدير حذف حرف النداء، والدليل ثابت؟

فقد روى الطبراني أن المشركين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقد دعاهم أبو بكر إلى الإسلام، قالوا له عندما ننتهي من المعركة مع الفرس نفكر في عرضك (أي الإسلام) ..... فلما التقوا يوم ذي قار هم والفرس قال شيخهم: ما اسم الرجل الذي دعاكم إلى الله؟ قالوا: محمد قال: هو شعاركم فنصروا على القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بي نُصِروا"
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني ورجاله ثقات رجال الصحيح غير خلاد بن عيسى وهو ثقة.
ماذا يقولون في هذا؟

اللهم علمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا وزدنا علمًا ونعوذ بك من حال أهل النار
المصدر

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يشرفني طرح أرائكم سادتي

حقيقة صوفية حضرموت