منتدى الحوار الاسلامي

الأربعاء، 28 أبريل 2010

توضيح قول ابو يزيد البسطامي ((أخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت ))


أخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت

جاء عن أبي يزيد البسطامي قدس الله سره أنه قال
قال أبو يزيد: أخذتم علمكم ميتاً عن ميت، وأخذنا علمناعن الحي الذي لا يموت.
فيحصل لصاحب الهمة في الخلوة مع الله وبه جلَّت هيبته وعظمت منته، من العلوم ما يغيب عندها كل متكلم على البسيطة، بل كل صاحب نظر وبرهان، ليست له هذه الحالة)
["الفتوحات المكية" ج1/ص31].

المعنى
قال الإمام الشعراني: رحمه الله:
((وكان الشيخ الكامل أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه يقول لعلماء عصره: أخذتم علمكم من علماء الرسوم ميتاً

عن
ميت، وأخذنا علمنا عنالحي الذي لا يموت وينبغي لك يا أخي و أختى ألا تطلب من العلوم إلا ما تكمل به ذاتك، وينتقل معك حيث انتقلت، وليس ذلك إلا العلم بالله تعالى، من حيث الوهب والمشاهدة، فإن علمك بالطب مثلاً إنما يحتاج إليه في عالم الأسقام، والأمراض، فإذا انتقلت إلى عالم ما فيه سقم، ولا مرض، فمن تداوى بذلك العلم
فقد علمت يا أخي و أختى أنه لا ينبغي للعاقل أن يأخذ من العلوم إلا ما ينتقل معه إلى البرزخ، دون ما يفارقه عند انتقاله إلى عالم الآخرة، وليس المنتقل معه إلا علمان فقط، العلم بالله عز وجل، والعلم بمواطن الآخرة
حتى لا ينكر التجليات الواقعة فيها، ولا يقول للحق إذا تجلى له نعوذ بالله منك كما ورد، فينبغي لك يا أخي و أختى الكشف عن هذين العلمين، في هذه الدار لتجني ثمرة ذلك في تلك الدار، ولا تحمل من علوم هذه الدار، إلا ما تمس الحاجة إليه في صراط سيرك إلى الله عز وجل على مصطلح أهل الله عز وجل، وليس صراط الكشف عن هذين العلمين، إلا بالخلوة، والرياضة، والمشاهدة، والجذب الإلهي، وكنت أريد أن أذكر لك يا أخي و أختى الخلوة وشروطها، وما يتجلى لك فيها على الترتيب شيئاً فشيئاً، لكن منعني من ذلك الوقت، وأعني بالوقت من لا غوص له في أسرار الشريعة، ممن دأبهم الجدال حتى أنكروا كل ما جهلوا، وقيدهم التعصب، وحب الظهور، والرياسة، وأكل الدنيا بالدين عن الإذعان لأهل الله تعالى، والتسليم لهم)) اهـ
والمعنى بوضوح
أراد الشيخ ابو يزيد البسطامي أن يشير في هذا القول إلى الفرق بين العلوم الكسبية وبين العلوم التي سماها الإمام الغزالي بـ ( علوم المكاشفة ) والتي قال عنها انها : نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة ، ومن خلال هذا النور في باطن العبد تنكشف امور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها فيتوهم لها معاني مجملة غير متضحة فتتضح إذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وبصفاته الباقيات التامات وبأفعاله وبحكمه في خلق الدنيا والآخرة ووجه ترتيبه للآخرة على الدنيا ، كالمعرفة بمعنى النبوة والنبي ومعنى الوحي ومعنى الشيطان ومعنى لفظ الملائكة والشياطين وكيفية معاداة الشياطين للإنسان وكيفية ظهور الملك للأنبياء وكيفية وصول الوحي إليهم والمعرفة بملكوت السماوات والأرض ومعرفة القلب وكيفية تصادم جنود الملائكة والشياطين فيه ومعرفة الفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ومعرفة الآخرة والجنة والنار وعذاب القبر والصراط والميزان والحساب.
ومعنى قوله تعالى: ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) الإسراء : 14
ومعنى قوله تعالى وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ) العنكبوت : 64
ومعنى لقاء الله عز وجل والنظر إلى وجهه الكريم ، ومعنى القرب منه والنـزول في جواره، ومعنى حصول السعادة بمرافقة الملأ الأعلى ومقارنة الملائكة والنبيين، ومعنى تفاوت درجات أهل الجنان حتى يرى بعضهم البعض كما يرى الكوكب الدري في جوف السماء إلى غير ذلك مما يطول تفصيله.
وقد جاء في إحياء علوم الدين لحجة الإسلام أبو حامد الغزالي
(وقال علي رضي الله عنه - وأشار إلى صدره - إن ههنا علوماً جمة لو وجدت لها حملة )

فمثل هذه العلوم يستعصي فهمها أو إدراكها عن طريق التفكر العقلي ، فالمعرفة بها لا تحصل إلا من خلال ارتفاع الحجاب عن مرآة القلب حتى تتضح له جلية الحق فيها اتضاحا يجري مجرى العيان الذي لا يشك فيه.
وهذا ممكن في جوهر الإنسان لولا أن مرآة القلب قد تراكم صدؤها وخبثها بقاذورات الدنيا.
انظر : احياء علوم الدين للإمام الغزالي – ج1 ص 20

وإنما تصفيته وتطهيره بالكف عن الشهوات والإقتداء بالنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم
في جميع أحواله ، فبقدر ما ينجلي من القلب ويحاذي به شطر الحق يتلألأ فيه حقائقه.
ولا سبيل إليه إلا بالرياضة التي يأتي تفصيلها في موضعها وبالعلم والتعليم.


يقول ابن القيم في مدارج السالكين :
( وعلى حسب قوة البصيرة وضعفها تكون الفراسة ، وهي نوعان :
فراسة علوية شريفة ، مختصة بأهل الإيمان .
وفراسة سفلية دنيئة مشتركة بين المؤمن والكافر .
وهي فراسة أهل الرياضة والجوع والسهر والخلوة ، وتجريد الباطن من أنواع الشواغل .
فهؤلاء لهم فراسة كشف الصور ، والإخبار ببعض المغيبات السفلية )
مدارج السالكين 1 / 111


وهذا هو العلم الخفي كما ورد في الحديث الضعيف وهذا الحديث استدل به ابن تيمية في الصفدية باختصار
إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله تعالى فإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله تعالى فلا تحقروا عالما آتاه الله تعالى علما منه فإن الله عز وجل لم يحقره إذ آتاه إياه).
رواه أبو عبد الرحمن السلمي في الأربعين له في التصوف من حديث أبي هريرة ،وورد في الترغيب والترهيب لعبد العظيم المنذري - ج1 - ص58 - برقم 141 / دار الكتب العلمية
وأبو طالب المكي في قوت القلوب ص 296 / 1
وابن تيمية الحراني في الصفدية 1/292



هذه هي العلوم التي لا تؤخذ من الكتب ولا من إجتهاد العلماء أو تفكر العقلاء انها علوم وهبية أطلق عليها الصوفية تسميه العلوم اللدنية نسبة إلى قوله تعالى :
( فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا).
الكهف : 65

قال ابن القيم في العلم اللدني في شرح منازل السائرين
جاء في منازل السائرين
باب العلم
قال الله عز وجل: (وعلمناه من لدنا علما).
العلم ما قام بدليل ورفع الجهل وهو على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: علم جلي يقع بعيان أو استفاضة صحيحة أو صحة تجربة قديمة.
والدرجة الثانية: علم خفي ينبت في الأسرار الطاهرة من الأبراز الزاكية بماء الرياضة الخالصة ويظهر في الأنفاس الصادقة لأهل الهمة العالية في الأحايين الخالية في الأسماع الصاخبة وهو علم يظهر الغائب ويغيب الشاهد ويشير إلى الجمع.
والدرجة الثالثة: علم لدني إسناده وجوده وإدراكه عيانه ونعته حكمه ليس بينه وبين الغيب حجاب.
وشرحة ابن القيم فقال
يقول ابن قيم الجوزية في مدارج السالكين (ج2 ص457)
(" فصل: قال الدرجة الثالثة علم لدني إسناده وجوده وإدراكه عيانه ونعته حكمه ليس بينه وبين الغيب حجاب يشير القوم بالعلم اللدني إلى ما يحصل للعبد من غير واسطة بل بإلهام من الله وتعريف منه لعبده كما حصل للخضر عليه السلام يغير واسطة موسى قال الله تعالى آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما الكهف 65").

وقال ابن قيم الجوزية ايضاً في مدارج السالكين (ج2 ص457):
(" و العلم اللدني ثمرة العبودية والمتابعة والصدق مع الله والإخلاص له وبذل الجهد في تلقي العلم من مشكاة رسوله وكمال الانقياد له فيفتح له من فهم الكتاب والسنة بأمر يخصه به كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل هل خصكم رسول الله بشيء دون الناس فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا
فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه
فهذا هو العلم اللدني الحقيقي") اهــ

ان العلم المسمى بالكسبي والذي يجتهد فيه المجتهدون هو المشار إليه بأنه العلم المأخوذة ميتا عن ميت ، وأما العلوم الوهبية الكشفية فهي المشار إليها بأنها مأخوذة عن الحي الذي لا يموت .
ولا تعارض بين العلمين فلكل علم رجاله ومواطنه وأدلته وفوائده ، وعبارة الشيخ البسطامي يمكن ان تحمل في باب التقسيم او التصنيف لأنواع العلوم وسبلها وليس من باب تعطيل العلوم التي تعتمد على العقل مقابل العلوم التي تعتمد على الكشف والإلهام .
فهذا العلم هو نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة ولا سبيل لهذا العلم إلا بالرياضة والتعليم وهذه هي العلوم التي لا تسطر في الكتب.


قال ابن تيمية الحراني:-
(خوارق العادات إما مكاشفة ، وهي من جنس العلم الخارق ، وإما تصرف وهي من جنس القدرة الخارقة)
مجموع الفتاوى ( 10 / 548 )، وراجع العقيدة الواسطية أيضا عند كلامه عن الأولياء

وقال ايضاً ابن تيمية الحراني
((إذا كان القلب معمورا بالتقوى انجلت له الأمور و انكشفت بخلاف القلب الخراب المظلم .
قال حذيفة بن اليمان : إن في قلب المؤمن سراجا يزهر .
( ... ) و كلما قوي الإيمان في القلب قوي انكشاف الأمور به .. و عرف حقائقها من بواطلها .. و كلما ضعف الإيمان ضعف الكشف .. و ذلك مثل السراج القوي و السراج الضعيف في البيت المظلم " . ( ابن تيمية في الفتاوي ج 20 ص 45 ) .

ويقول ابن خلدون رحمه الله في كتابه شفاء السائل
بعد أن قسم المجاهدة إلى ثلاثة أنواع؛ مجاهدة التقوى ومجاهدة الاستقامة ومجاهدة الكشف و المشاهدة، وبين أن هذه الأخيرة أعظم المجاهدات ، يقول رحمه الله: "وأما مجاهدة الكشف والمشاهدة التي مطلوبها رفع الحجاب والاطلاع على العالم الروحاني وملكوت السموات والأرض، فإنها مفتقرة إلى العالِم المربي، وهو الذي يعبر عنه بالشيخ، افتقار وجوب واضطرار، لا يسع غيره، ولا يمكن في الطالب حصولها بدونه"
ص 58-59.


وأعلم أن ما يطرحه الوهابية من شبهات ما هو إلا تدليس وجهل هداهم الله لانهم غير مطلعون على كتب الائمة وأقوالهم
فهم أصحاب ظن سوء والعياذ بالله.

فيروجون أنه لم تسلك الصوفية مسلك سلف الأمة في تلقي علوم الشرع على أيدي علماء الأمة وهذا ما ينفيه الواقع وإذا نظرت إلي اصغر طويلب علم صوفي لوجدته يملك من الأسانيد ما يزن أسانيد الوهابية جميعها كيف بالله عليك وهم ينقمون على الصوفية بسبب كثرة تلقيهم العلم وملازمتهم المشايخ ووجوب سلوك التصوف على أيدي شيخ عالم؟؟
فكيف يقع الوهابية في هذا التناقض الغريب.
فالوهابية هداهم الله ينطبق عليهم هذه الابيات

فَهُمْ لا يَفْهَمُونَ دَلِيلَ شرْعٍ
كَمَا قَدْ شَـاءهُ خيرُ الْبَرِيَّهْ

كيف ومشايخ الصوفية قاطبة يقولون بوجوب تلقي العلم على يد شيخ عالم ؟

بل أبلغ رد عليهم هو قول سيدي أبو يزيد البسطامي نفسه
( هذا أبو يزيد يقول: من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان )
(الرسالة القشيرية ص181)

قال حجة الإسلام الإمام الغزالي :
(( مَنْ تصوفَ قبلَ العِلْمِ خَاطَرَ بِنَفْسِهِ ))



* قال الإمام الزبيدي شارحًا في «إتحاف السادة المتقين» (1/173) :
(( أي: أوقعها في الخطر والهلاك ولا يفلح أبدًا، لأن التصوف عبارة عن تطهير السرائر وتزكيتها عن الأخلاق المذمومة، وهو متوقف على تحصيل العلوم الشرعية، يهتدي بها في سلوكه. )) اهـ.



يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه في كتاب الفتح الرباني:
"إن الله عز وجل أجرى العادة بأن يكون في الأرض شيخ ومريد، صاحب ومصحوب، تابع ومتبوع من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة".

ولو تركوا العُلومَ لعارفيها
لكَانَ النَّاسُ فى حالٍ هَنِيَّهْ
ولَكِنْ (مثل شيخ الوهابية) شيَّخُوه فشَمَّخُوهُ
ليَبْقَى عندهُمْ مثلَ الرَّزِيَّهْ


يقول الفقيه ابن حجر الهيثمي:
في كتابه "الفتاوى الحديثية": (والحاصل أن الأوْلى بالسالك قبل الوصول إلى هذه المعارف أن يكون مديماً لما يأمره به أستاذه الجامع لطرفي الشريعة والحقيقة، فإنه هو الطبيب الأعظم، فبمقتضى معارفه الذوقية وحكمه الربانية، يُعطي كل بدن ونَفْسٍ ما يراه هو اللائق بشفائها والمصلح لغذائها)
["الفتاوى الحديثية" ص55 ].

ويقول سيدي عبدالقادر عيسي في كتابه الماتع حقائق عن التصوف
(هؤلاء الوراث المرشدون صحبتهم ترياق مجرب، والبعد عنهم سم قاتل، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ؛ مرافقتهم هي العلاج العملي الفعَّال لإصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق، وغرس العقيدة، ورسوخ الإيمان، لأن هذه أُمور لا تُنال بقراءة الكتب، ومطالعة الكراريس، إنما هي خصال عملية وجدانية، تُقتبس بالاقتداء، وتُنال بالاستقاء القلبي والتأثر الروحي.)

وغيرها الكثير من الأقوال في ضرورة تلقي العلوم على أيدي المشايخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يشرفني طرح أرائكم سادتي

حقيقة صوفية حضرموت